مؤلفات علماء غرب إفريقيا في المكتبات المغربية



مؤلفات علماء غرب إفريقيا في المكتبات المغربية

ذ. إبراهيم الكتاني

نقدم هنا نص المحاضرة القيمة التي ألقاها فضيلة الأستاذ السيد محمد إبراهيم الكتاني ممثل جامعة محمد الخامس المغربية بمؤتمر الدراسات الشرقية الدولي السابع والعشرين الذي انعقد بجامعة آن أربر ميشيغان بالولايات المتحدة يوم 17 غشت 1967م في لجنة الشرق الأدنى والعالم الإسلام.
1- في المكتبات المغربية أزيد من مائة مؤلف، لحوالي خمسة عشر مؤلفا من إفريقيا الغربية، وبعضها مما لا تكاد تخلو منه مكتبة مغربية، وبعضها تتعدد نسخه في المكتبة الواحدة. وتبلغ هذه المؤلفات في مجموعها حوالي ثلاثمائة نسخة.

2- ومما يعطي لهذه القائمة قيمة خاصة ما ورد في كتاب (إفريقيا تحت أضواء جديدة) للأستاذ بازل دافيدسن المنشور سنة 1959م والذي عربه جمال محمد أحمد من أديس أبابا سنة 1961م وطبعت ترجمته ببيروت- قوله عن أحمد بابا (963-1036هـ/ 1556-1667م): الذي لا نعرف على التحقيق إن كانت آثاره ضاعت أم هي في مكان لم تصل إليه يد بعد ! ثم يعقب في تعليق بأسفل الصحيفة قائلا: قيل لنا -ونحن نعد هذا الكتاب للطبع-: أن باحثا ! قد عثر – فيما يبدو! على مخطوط لأحمد بابا في مكتبة المتحف البريطاني!! (ص 161) فها هو باحث! آخر يقف بالفعل على حوالي 30 كتابا ورسالة لأحمد بابا ! وبعضها في نسخ عديدة، تبلغ في مجموعها مائة نسخة ! ومن بينها (كفاية المحتاج) في اختصار (نيل الابتهاج) بالذيل على الديباج، وقد ختمها بالترجمة لنفسه، وذكر أسماء مؤلفاته، وتبلغ نسخها 11 نسخة، بعضها منقول من خط المؤلف مباشرة وبعضها منه بواسطة.
3- ومن بينها (معراج الصعود) الذي يتضمن – على صغر حجمه- معلومات مهمة عن تاريخ القبائل السودانية وصلتها بالإسلام: فأهل برنو، وكانو، وكشن، ومالي، وكوبر، وسغى، مسلمون وجل فلان، وبعض زكراك، أسلموا بدون استيلاء أحد عليهم، ومنهم من هم قدماء في الإسلام، كأهل مالي، أسلموا في القرن الخامس الهجري (11م) أو قربه، وكأهل برنو، وسغى، وقد أسلموا طوعا، كما يُفهم من كلام ابن خلدون. وتبلغ نسخه سبع نسخ.
4- وإلى جانب مؤلفات ورسائل أحمد بابا، يوجد حوالي 30 مؤلفا للشيخ المختار الكنتي التنبكتي دفين أزواد (1143-1226هـ). و13 مؤلفا لولده محمد (ت 1241هـ/ 1828م)، و9 لحفيده أحمد البكاي (ت1282هـ /1865م) ورسالة واحدة للمختار بن محمد (ت 1296هـ/1878م).

5- ولبعض هذه المؤلفات قيمة كبيرة في الكشف عن اتجاهات خاصة في التفكير الإسلامي في هذه المنطقة وما يجاورها على عهد مؤلفيها:

(أ)- مثل كتاب (جذوة الأنوار) للمختار الكنتي، وموضوعه الرد على عالمين من شنقيط: أحدهما يقال له ابن بونا الذي أعلن بكفر من يقطع بقول الأولياء الصالحين ! وثانيهما ابن حب الله الذي يتهمه المختار الكنتي بالطعن في الإمام مالك ابن أنس، لأنه زعم أن الإمام مالكا إنما يأتي بالأقوال الظنية كسائر المجتهدين وجميع الأئمة ! وهذا ما يراه الكنتي غير صحيح ! وابن بونا هذا هو المختار بن بون الجكني، كان حيا سنة 1208هـ /1794م ترجمه أحمد بن الأمين الشنجيطي في (الوسيط، في تراجم أدباء شنجيط) ص:277-284. القاهرة 1378هـ 1958م.
ووصفه بتاج العلماء، وذكر أنه كان يشدد الإنكار على المختار الكنتي، ثم رجع عن ذلك وصارت بينهما مكاتبات. وابن حب الله هو محمد المجيدري بن حبيب الله، ترجمه أيضا في الوسيط (ص 214-216) فقال عنه: هو العالم الوحيد، الذي ما له من نديد! وأنه اتصل بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله، ونال الحظوة عنده، ورحل إلى الشرق وأكرمه أمير مصر.
قال: ويكفيه أن الصالح سيدي أحمد بن إدريس الفاسي تلميذه، وهو نزيل مكة وعسير من بلاد تهامة، ومؤسس الطريقة الإدريسية الشهيرة وكان يدعو للعمل بالقرآن والحديث ونبذ التقليد المذهبي (1173-1253هـ/ 1759-1837م) (راجع عنه محمد زبارة في (نيل الوطر) ج 1 ص 223-227 القاهرة 1348هـ.
وذكر في (الوسيط) أن المجيدري كان من أعظم تلامذة ابن بون ثم وقعت بينهما وحشة شديدة ! (ص 215) وحلاه الشيخ حمدون ابن الحاج الفاسي (1174-1232هـ/ 1760-1817م) في أحد دواوينه الشعرية بالمجتهد على الإطلاق ! وأورد بعض مساجلات جرت بينهما (راجع مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم د383). وأنشدني له صديقي العالم الداعية الشيخ محمد سالم بن الهادي المجلسي الإداري من شنجيط (موريطانيا) في إحدى زياراته للرباط، قوله – ينفي عن نفسه تهمة الابتداع التي وجهها له أنصار التقليد، ومنه يتبين اتجاهه الفكري في حصر القداسة الدينية في الوحي الالهي وحده- :
لو كنت بدعيا لما كان الصواب
عندي الأحاديث الصحاح والكتاب
وذكر لي أن له تأليفا في الفقه سماه (زهر الأفنان) مخطوط في شنجيط (موريتانيا) ولا شك أن الاطلاع على هذا الكتاب سيفيد في التعرف على اتجاهه في الاجتهاد.
(ب)- ومثل كتاب (فتح القدوس في الرد على أبي عبد الله محمد أكنسوس) لأحمد البكاي بن محمد ابن المختار الكنتي، وفيه يندد مؤلفه بالتقليد ودعوى انقطاع الإجتهاد، وبعد ذلك صدا عن الكتاب والسنة !
7- وتتجاوز نسخ مؤلفات هذه الأسرة وحدها مائة نسخة.
8- وتشتمل القائمة أيضا على مؤلفات: للسوداني شارح المختصر (مختصر خليل)، ولمحمد بابا بن محمد الأمين بن حبيب بن المختار التنبكتي (ت 1014هـ/ 1605م)، ولأحمد بن محمد بن أحمد السوداني قاضي تنبكتو (ت 1044هـ/ 1634م) ولمحمد بن محمد الفلاني الكشناوي (ت1154هـ/ 1741م)، ولصالح الفلاني (ت 1218هـ/ 1803م)، ولمحمد عبد الله النعاني البرتلي الولاتي (ت1220هـ/ 1805م)، ولأحمد الفوتي بن القاضي أبي بكر بن إبراهيم التنبكتاوي (زار مدينة فاس في طريقه للحج، وأخذ عن علمائها عام (1224هـ/ 1809م)، ولعبد الله بن فودي الفلاني (1179-1245هـ/ 1765- 1829م)، ولسلطان نيجريا محمد بلو بن المصلح المجاهد عثمان بن فودى (1196-1253هـ / 1782-1837م)، ولعمر الفوتي التيجاني المجاهد الشهير (2031-1280 هـ/ 1788-1864م)، ولمحمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني ثم التواتي دفينها نزيل برنو وتمبكتو المتوفي سنة (909 هـ/ 1502م) وهو مغربي كما ترى ولكنا تساهلنا في عده سودانيا لصلته القوية بالسودان وتأثيره العظيم هناك.
9- وهذه المؤلفات تتناول على العموم مختلف الموضوعات التي تناولها المؤلفون المسلمون في العصور المتأخرة، قبل اتصالهم بأوربا؛ كتفسير القرآن، وشرح الحديث النبوي، وروايته، والسيرة النبوية، والفقه (عبادات ومعاملات) والنوازل والتصوف، والعقائد، والوعظ، والتاريخ، والتراجم، والمناقب، والنحو، واللغة، والأوفاق والأسماء (سر الحرف) والأوراد والأذكار والدعوات، والسياسة، والنظم الإسلامية، والطرق الصوفية، والجدل والمناظرة، والرد على المبتدعة وإنكار المظالم وغير ذلك، إلى جانب الكتب الدراسية من متون وشروح وتعاليق.
10- وهي تشتمل في عمومها على معلومات مفيدة جدا فيما يتعلق بالنواحي الفكرية والعلمية والاجتماعية والخلقية في عهد تأليفها، كما أنها مفيدة بوجه خاص فيما يتعلق بميدان الصلات الفكرية بين غرب إفريقيا وشمالها، وبينه وبين الشرق العربي.
11- وتوجد بالمكتبات المغربية – إلى جانب هذه المؤلفات التي ألفها مؤلفون سودانيون- من غرب إفريقيا- مؤلفات نسخها فقط نساخ من غرب إفريقيا مثل رسالة ابن أبي زيد القيرواني، التي نسخها أحمد الفلاني سنة (995هـ/ 1587م) لأمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بان بن أمير المؤمنين اسكى داود بن أمير المؤمنين اسكى الحاج محمد.
ومثل الجامع الصحيح للإمام مسلم بن الحجاج، والشفا للقاضي عياض وعليهما سند كاتبهما أحمد الفلاني السابق الذكر. ومثل المجلدات العشر الأخيرة من كتاب (المحكم) في اللغة لابن سيدة الأندلسي كتبت في تمبكتو أواخر القرن العاشر الهجري السادس عشر الميلادي، وغير ذلك.
12- فهذه الكتب – وإن كانت لمؤلفين غير سودانيين- فإنها تفيد في معرفة بعض الاتجاهات الفكرية والثقافية في الوسط الذي كتبت فيه، ومعرفة مستواه الثقافي، وما أشبه ذلك. فمجلدات (المحكم) – مثلا- تدل على أنه كانت بتمبكتو وقت كتابتها نسخة أخرى – على الأقل- من المحكم ومنها انتسخت هذه النسخة. وكتاب (المحكم) ليس كتاب لغة عاديا تتجه إليه عناية من له ثقافة لغوية وأدبية متوسطة، ولكنه من المعاجم العربية الكبرى التي لا يهتم بالاستفادة منها إلا من لهم ثقافة لغوية وأدبية عالية. ثم إن هذه الأجزاء وحدها بخط أربعة نساخ مختلفين، وذلك يدل على مبلغ انتشار العلم والثقافة وازدهار حرفة النساخة تبعا لذلك.
ثم إن أربعة من هذه المجلدات العشرة كتبها شخصان، وقام بشكلها الكامل شخص آخر، وذلك ما يصور مبلغ الحرص على سلامة النسخة من التحريف، وإسناد كل عمل لمن يستطيع القيام به، والمستوى الثقافي الممتاز الذي يمكن صاحبه من أن يقوم بشكل أربعة أجزاء من (المحكم) على ما به من غريب. كما يوضح أن الثقافة اللغوية والأدبية العالية استمرت إلى هذا العهد في هذا الوسط مسايرة للثقافة الفقهية المعتادة.
ولا شك أن في المكتبات الشخصية المنتشرة انتشارا كبيرا في مختلف مدن المغرب وقراه، وبواديه وجباله وصحاريه عددا من المؤلفات التي لم نستطع التعرف عليها؛ وخصوصا في المناطق الصحراوية المجاورة لإفريقيا الغربية، والتي كانت بها مراكز علمية مهمة، مثل موريطانيا، وتوات وغيرهما.
13- كما أننا قد نكون أغفلنا كثيرا من المخطوطات التي خيل إلينا في مؤلفيها أنهم من إحدى هذه المناطق وقد يكون بعضهم من غرب إفريقيا لا من شمالها !
14- ويرجع انتشار هذه المؤلفات السودانية بالمغرب إلى أسباب عديدة:
– منها مبايعة الرئيس أبي العلاء إدريس سلطان مملكة برنو سنة (990هـ/ 1582م)، الملك المغربي أحمد المنصور السعدي، ثم غزو جيش هذا الأخير مملكة مالي وما انضاف إليها وضمها للمغرب سنة (999هـ/ 1591م) ونقله بعض علمائها إلى مراكش مثل الشيخ أحمد بابا الذي تتلمذ له كثير من المغاربة واعترفوا بفضله وتهافتوا على انتساخ كثير من مؤلفاته وخصوصا (نيل الابتهاج، بالذيل على الديباج، لابن فرحون) في طبقات الفقهاء المالكية، الذي خدم به خزانة أحمد المنصور، المشتملة على الطم والرم، من كتب العلم ! – حسب تعبيره-
وتشتمل قائمتنا على وصف عشر نسخ مخطوطة منه، إحداهما من مبيضة المؤلف، وأخرى من مبيضة المؤلف التي كان أعطاها للمؤرخ المغربي الشهير أحمد ابن القاضي (960-1025هـ) وأجازه، وأوصاه أن لا يمكن أحدا من الانتساخ منها! لأنه في المخرجة زاد وغير، فالاعتماد على المخرجة. ونسخة ثالثة نسخت من نسخة كتبت من أول نسخة منها بخط المؤلف. وقد طبع (نيل الابتهاج) على الحجر بفاس، ثم طبع بالقاهرة، وأصبح مرجعا أساسيا من مراجع الثقافة الإسلامية التي لا غنى عنها لباحث في تراجم الرجال
– ومنها رابطة الطريقة الصوفية، مثل طريقة الشيخ المختار الكنتي التنبكتي القادرية التي انتشرت في المغرب باسم الطريقة المختارية والكنتية، والتي انتسب إليها بعض الملوك والوزراء والعلماء بالمغرب وكانت لها زوايا بمراكش وفاس ومكناس والرباط وأزمور وغيرها.
وكان في بعض هذه الزوايا مكتبات علمية، مما ساعد على انتشار مؤلفات الشيخ المختار وولده وحفيده، وبعض مؤلفات الشيخ عبد الله بن فودي الذي نجده موصوفا في مخطوطة من مخطوطات تفسيره (ضياء التأويل) بأنه (مختاري) مشربا.
ومثل الطريقة التيجانية التي أسسها بفاس الشيخ أحمد التيجاني (1150-1230هـ/ 1737-1815م) وانتشرت في أقطار إفريقيا انتشارا كبيرا. وألف فيها كثير من الأفارقة، كما ألف في الرد عليها آخرون.
–  على أن بعض مؤلفات غرب إفريقيا لم تصل إلى المغرب من السودان، وإنما جاءت من الشرق العربي، الذي هاجر إليه مؤلفوها وألفوها هناك، مثل (بهجة الآفاق) لمحمد الكشناوي الذي ألفها بمكة المكرمة وتوفي بعد في القاهرة، ومثل (قطف الثمر) لصالح الفلاني الذي ألفه بالمدينة المنورة، بعد ما طلب العلم في الغرب الإسلامي مثل تامكروت ومراكش وغيرهما.