الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وبلجيكا



الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وبلجيكا

د. سمير بوزويتة

عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سايس، فاس

 

كانت أول صلة رسمية للمملكة البلجيكية بالمملكة المغربية ترجع لسنة 1838م ولما يمض على جلوس ليوبولد الأول على العرش سوى بضع سنوات حيث نجد العاهل البلجيكي، باقتراح من قنصل بلجيكا لدى داي الجزائر يسعى إلى الاتصال بالمغرب أيام السلطان المولى عبد الرحمان سنة 1245ه/ 1838م، وهكذا فتحت قنصلية بطنجة تولاها السيد ليون فان لار  (Léon Van Lare ) وكانت القنصلية تهدف إلى لربط صلات تجارية ومحاولة الدخول للسوق المغربية. لكن العلاقات إنما زكت سنة 1845م عندما تعين القنصل العام إرنست دالوان ( Ernest Dalwin ) الذي اعتمد لدى السلطان مولاي عبد الرحمان. ولم يتم إبرام معاهدة بين دولة البلجيك والمغرب إلا عام 1862م، وهي المعاهدة المعروفة بالمعاهدة التجارية والملاحية التي أبرمت يوم 4 يناير 1862.

فلم يلبث وقد تربع سيدي محمد بن عبد الرحمان على العرش أن توصل إلى إبرام معاهدة للتجارة والملاحة بتاريخ 2 رجب 1278هـ/4 يناير 1862م، وقد وقعها بطنجة عن المملكة المغربية الحاج عبد الرحمان بن محمد العاجي، كما وقعها عن مملكة بلجيكا القنصل المذكور، وهذا نصها:

بسم الله         ولا حول ولا قوة إلا بالله

للجانب المولوي سلطان مراكشة وفاس والجانب المولوي سلطان أبلجك حيث مرادهما في عقد شروط المحبة على أن يكونوا التجار الجانبين( كذا) مقبولين ملحوظين محترمين في الإيالتين جعلوا نوابهم المفوضين يعني الجانب المولوي سلطان مراكشة وفاس عين خديمه الأرضى الحاج عبد الرحمن العاجي والجانب المولوي سلطان أبلجك عين الكبالير إرنسط دالوان قونصو جينرال في إيالة مراكشة وفي بلد أفريكة، بعد ما أظهر كل واحد منهما ما بيدهما من التفويض، اتفقا على ما سيذكر:[1]

الشرط الأول: يمون الصلح والمهادنة بين إيالة ورعية سلطان مراكشة وفاس وبين إيالة ورعية سلطان أبلجك على الدوام.

الشرط الثاني: النواب والقنصوات والرعيات من سلطان مراكشة وفاس وتجارتهم ومراكبهم يكون لهم جميع المنفعة في إيالة سلطان أبلجك الذي كانت أو تكون للأجناس المحبين، وكذلك النواب والقنصوات والرعيات من سلطان أبلجك وتجارتهم ومراكبهم يكونوا لهم جميع المنفعة في إيالة سلطان مراكشة وفاس الذي كانت أو تكون لأجناس المحبين.

الشرط الثالث: هذا الشروط المنعقدة يطبع عليهم إن شاء الله في مدة قريبة من الجانبين، وختموا النائبين المذكورين بخط يدهما وطابعهما بثغر طنجة المحروسة بالله في يوم 2 من رجب الفرد الحرام عام 1278هـ الموافق لتاريخ المسيح في يوم 4 من شهر يناير 1862[2].

ومنذ أن وقعت معاهدة الصداقة بين المغرب وبلجيكا أصبح الطرفان يتعاونان في مختلف المجالات، وأمست زيارة القنصل العام للعاهل المغربي عادة تقليدية لاطلاع العاهل على الأحوال الجارية. ولما توفي الملك ليوبولد الأول وخلفه ابنه ليوبولد الثاني ورد القنصل على مدينة الرباط لرفع تحية العاهل الجديد، وحينئذ جرى استقبال رسمي للقنصل إيرنيست دالوان صادف استعداد العاهل سيدي محمد بن عبد الرحمان للخروج لصلاة الجمعة يوم ثالث رجب 1281ه/2 دجنبر 1864م[3].

تتضمن الوثائق المغربية أن بلادنا اشترت من بلجيكا على عهد ليوبولد الثاني مؤونة حربية ومواد دفاعية الذي تكشف عنه رسالة مخزنية بتاريخ 20 رمضان 1282هـ/6 فبراير 1866م، وكانت عبارة عن أمر ملكي بإهداء خنجر رفيع لرئيس المعمل المكلف بالسهر على إنجاز المعدات المقتناة من بلجيكا. والأدل أكثر من هذا على التواصل الذي كان بين البلاط المغربي والبلاط البلجيكي هو تبادل الأخبار العائلية بين الطرفين، وهكذا نجد ملك بلجيكا ليوبولد الثاني يخبر السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن بازدياد مولود عند أخيه الأمر الذي دعا العاهل المغربي لإرسال خطاب تهنئة بهذا الحدث السعيد، وهي بادرة تعبر عن مدى الاتصال الشديد بين المملكتين.[4] ولما تربع العاهل الجديد السلطان المولى الحسن على كرسي الحكم كان عليه أن يحتفظ بتلك العلاقات الطيبة التي ربطت بين المملكتين المغربية ومملكة بلجيكا… وهكذا فقد ظل القنصل العام دالوان في طنجة يباشر مهامه كالسابق، وظل القناصلة المساعدون في المدن الأخرى أيضا يقومون بأعمالهم أيضا على نحو ما رأينا في نائب القنصل البلجيكي في مدينة الجديدة فليكس ديكوان (Fléixe Desguin).

وبفضل مساعي الوزير البلجيكي المعتمد دالوان اقتنع السلطان المولى الحسن بأن يبعث بالسفير الزبدي إلى المملكة البلجيكية عام 1293هـ/1876م بعد أن كانت النية متجهة إلى الاقتصار على إرسالها لباريز ولندن وروما… وهكذا وجدنا الحاج محمد الزبدي على رأس سفارة كبيرة مصحوبا بثلاثة عشر عضوا، توزعهم الوثائق البلجيكية على أربعة عناصر: المدنيون والعسكريون ثم المساعدون وبعدهم الملحقون… وقد قصدت السفارة من باريز إلى بلجيكا يوم الاثنين 3 جمادى الثانية 1293ه/26 يونيو 1876م على متن القطار أو بابور البر على حد تعبير إدريس الجعايدي سكرتير السفارة الذي سجل الرحلة في مذكرات حملت عنوان: ”إتحاف الأخبار بغرائب الأخبار”.

وهنا في بروكسيل أقامت البعثة في فندق موجيل ( Meugelle ) يوم الأربعاء5  جمادى/28 يونيو بوزير الشؤون الخارجية.[5] ولما كان الوقت المعين انعقدت حفلة رسمية في قصر بروكسيل وقابل جلالة الملك السفير المغربي بمزيد اعتبار واعتناء وإجلال، ثم ألقى السفير خطبته أمام الملك. وصباح يوم الاثنين 10 جمادى الثانية/3 يوليو غادرت السفارة بروكسيل على متن القطار في اتجاه مدينة لييج مرورا بعدة مدن وفي يوم الجمعة 14 جمادى الثانية/7 يوليو تناولت السفارة طعام العشاء بقصر رئيس الدولة… وفي أعقاب هذا الاتصال ظهر للملك ليوبولد الثاني أن يفاتح العاهل المغربي حول مشروع أشار إليه به بعض خواصه وكبرائه، ويتعلق الأمر بالحصول على موضع قدم بالساحل المغربي على مقربة من وادي شبيكة من أجل أن يكون استراحة يربط بلجيكا بالكونغو.

 


[1] – التازي عبد الهادي، التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، عصر العلويين، المجلد العاشر، 1989م. ص.107. يذكر عبد الهادي التازي أن النسخة المصورة لهذه المعاهدة زوده بها السفير البلجيكي ببغداد سنة 1972م.

[2]– نفسه، ص. 109. أنظر، الشادلي عبد اللطيف، نصوص واتفاقيات مبرمة بين المملكة المغربية ودول أجنبية من سنة 1770م إلى 1863م، الجزء الثاني، المطبعة الملكية بالرباط، 2007م. صص.553 – 556.

[3]– التازي عبد الهادي، التاريخ الدبلوماسي، م س، ج 10، ص.109.

[4] – التازي عبد الهادي، التاريخ الدبلوماسي. م س، ص.110.

[5] – نفسه، ص.111.