أتاكم رمضان شهر مبارك



أتاكم رمضان شهر مبارك

كلمة نبوية مشرقة، وعبارة وضاءة مبهجة، وجملة مستوعبة جامعة، تحفل بمعاني الخير واليمن والبركة، ومعالم البشر والسعادة، وردت في مطلع حديث من أحاديث نبي الهداية والرحمة، ورسول الله إلى الناس كافة، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ كلمة تستنهض النفوس المؤمنة، وتستحثها للعبادة والطاعة، وتدعوها بأسلوب الترغيب والحكمة والموعظة الحسنة لاغتنام الشهر في كل خير وصلاح واستقامة، والبادرة إلى كل عمل من أعمال البر والتقوى والمغفرة؛ كلمة نطق بها من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي، ومن جعله الله من أولي العزم بين من اصطفاهم للنبوة والرسالة وهداية الخلق، من الأنبياء والرسل، عليهم جميعا أفضل الصلاة وأزكى السلام.

إن رمضان شهر مبارك حقا، وبركته دائمة ومستمرة، تتجدد بتجدده ومع حلوله في كل سنة، وذلكم لما خص الله به هذا الشهر الكريم، وجعله يتميز به بين شهور العام من مكارم وفضائل، ويتجلى فيه على العباد الصالحين من رحمات ونفحات ربانية.

فهو شهر اتصلت فيه الأرض بالسماء، وارتبطت بها في دين الإسلام، فكان فيه بدء نزول القرآن المبين على النبي المصطفى الأمين هدى للناس وبينة من الهدى والفرقان، وهو شهر يتميز بفريضة الصيام وسنة القيام الجماعي في صلاة التراويح، وتشخيص وحدة المسلمين وأخوة المؤمنين في عقيدتهم وعبادتهم لله، كما هو الشأن في سائر العبادات والطاعات والمشاهد الدينية والتجليات الروحانية.

شهر فيه ليلة جامعة لكل خير، خص الله بها نبيه الكريم وأمته المحمدية، إكراما لها، وإعلاء لشأنها، وتكثيرا لثوابها وأجرها على ما تقوم به من صالح الأعمال، فوصفها الحق سبحانه بأنها ليلة خير من ألف شهر، شهر تتجلى فيه الرحمة والمغفرة للصالحين والصابرين، والصادقين القانتين، والمنفقين المستغفرين، شهر يتزود فيه كل مسلم ومسلمة بزاد عظيم من التقوى والإيمان وصالح الأعمال، ومن العزم والإرادة والصبر على مواصلة السير في مسيرات التشييد والبناء في الحياة، بروح طيبة، ونفوس طاهرة، وقلوب سليمة، مليئة بحب التآلف والاجتماع، والتواصل والتراحم بين الأهل والأقارب وذوي الأرحام، وغيرهم من عامة الناس، فتزكو القلوب وتطهر النفوس بتلك الفضائل والمكارم، وتخلو من درن المعاصي والذنوب والآثام و الأحقاد والأضغان، وتمتلئ المشاعر والعواطف المؤمنة بمحامد الأوصاف وجميل الخصال، (إن الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين). {سورة هود، الآية:114}.

شهر تصفد فيه الشياطين، وتغل فيه مردة الجن، وتغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتنادي فيه ملائكة الرحمان أمة الإيمان بالإقبال على الخير، والإقصار من الشر، ويعتق الله فيه كل ليلة رقابا من النار، تتوب إلى ربها وتستغفر فيشملها سبحانه بفضله ورحمته، ويدخلها في أهل جنته ورضوانه.

شهر يتزود فيه المؤمن والمؤمنة بما ينبغي أن يكون عليه طيلة السنة من الصبر واليقين، ومن احتمال المشقة واحتسابها في مجال العبادة والإخلاص لله، وبما ينبغي أن يتحلى به من الإيمان والتقوى، وأن يتعود عليه من الأخلاق الإسلامية والآداب الفاضلة، فلا رفث ولا فسوق ولا عصيان، ولا سباب ولا شتم ولا جدال، ولا انحراف يصدر عن المسلم وهو في تلك العبادة من الصيام تصله بربه كالصلاة، وتقربه من خالقه ومولاه، وتضاعف حسناته إلى سبعمائة ضعف، وتجعل رائحة فمه أطيب عند الله من ريح المسك، ويستشعر الصائم أثناءها فرحتين: فرحة عند الإفطار، وفرحة يوم لقاء ربه في دار النعيم والرضوان، شهر ينظر فيه أول ليلة من رمضان إلى عباده المؤمنين الصائمين القانتين نظرة مغفرة ورحمة فلا يشقون بعدها أبدا، وتستغفر لهم فيها الملائكة، وتتزين فيه الجنة لاستقبال الصائمين يوم القيامة، وتشملهم جميعا مغفرة الله ورحمته في آخر ليلة من هذا الشهر المبارك الكريم.

شهر تمتلئ فيه مساجد الله وبيوته بالصلاة والقيام، والذكر والاستغفار، والحمد وتلاوة القرآن، وتكثر فيه مجالس ودراسة كتاب الله العزيز وسنة النبي الكريم، ويتضاعف فيه الإقبال على الجود والكرم والإحسان، اقتداء بالرسول عليه الصلاة والسلام، فقد كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، ويكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ” أجود ما يكون بالخير من الريح المرسلة”.

شهر تميز بما تميز به في عهد النبوة والرسالة وفي عهد الخلافة الراشدية وما بعدها من تاريخ الأمة الإسلامية، من انتصارات للإسلام والمسلمين، حقق الله لهم بها وعده الكريم في قوله تعالى:(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) {سورة الفتح، الآية:28}.

شهر يتميز فيه المغرب بتظاهرة علمية إسلامية فريدة من نوعها تأخذ بالاهتمام وتستقطب الأنظار، وهي تتمثل في تلك الدروس الحسنية الرمضانية، التي يرأسها أمير المؤمنين طيلة شهر رمضان المعظم، ويحضرها صفوة من علماء المغرب والعالم الإسلامي عبر تاريخها المجيد الطويل.

كما يتميز هذا الشهر في المغرب العزيز بإحيائه في ليلة العاشر من رمضان لذكرى وفاة فقيد العروبة والإسلام، وبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، ترحما على روحه الطاهرة ونفسه الطيبة المطمئنة التي رجعت إلى ربها راضية مرضية، بعدما قضت حياتها مجاهدة مصابرة في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، وحققت للأمة المغربية عزها ومجدها وتمتيعها بالكرامة والحرية والعزة التي وعد الله بها عباده المؤمنين حيث قال سبحانه:(ولله العزة ولرسوله والمومنين) {سورة المنافقون، الآية:8}.

كما يتميز هذا الشهر المبارك في المغرب بإحياء أمير المومنين نصره الله لتلك الليلة المباركة، ليلة القدر التي هي خير من ألف ليلة، كما تحييها الأمة المغربية في جميع مساجد ربوع المملكة، وذلك في مشهد كبير ومجمع عظيم من العلماء  والمدعوين الذين يحضرون الدروس الحسنية، ويختم إحياء تلك الليلة المباركة بختم صحيح الإمام البخاري وشرح حديث صحيح: «كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمان، ثقيلتان في الميزان، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، وبقراءة هذا التسبيح مائة مرة، ينتهي ذلك الحفل الديني والجو الرباني بكلمة توجيهية من أمير المومنين للعلماء الذين شاركوا في الدروس الحسنية وألقوها بين يدي جلالته، والتي استفاد منها وتنور بها الخاص والعام في بلد المغرب وغيره من بلاد الإسلام.

إن رمضان حقا شهر مبارك كريم، كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه كل خير وبركة وسكينة وطمأنينة، وراحة نفسية للمؤمن وسعادة قلبية؛ الاستغفار فيه والدعاء إلى الله مرفوع ومقبول ومستجاب، والرحمة الإلهية متجلية وعامة شاملة للعباد الصائمين، القانتين الخاشعين، شهر فرض الله صيامه على أمة الإسلام وجعله مظهرا من مظاهر وحدتها وقوتها وتعاونها على البر والتقوى والخير، وصلاح أمر الدين والدنيا، شهر سن فيه النبي صلى الله عليه وسلم القيام بصلاة التراويح فقال: “إن الله فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم القيام، فمن صامه وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، وصدق الله العظيم إذ قال في محكم كتابه الحكيم: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). {سورة فاطر، الآية:10}.

فهنيئا للمسلمين بنعمة الإسلام وهداية الإيمان، وهنيئا لها بهذا الشهر الكريم، وبهذا النبي المصطفى الأمين عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، الذي جعله الله خاتمة الأنبياء والمرسلين، فكانت أمته أكرم الأمم وأفضلها عند الله مكانة وأجرا، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتومن بالله.