رسالة كتب بها محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي البصري مستجيزا إلى الفقيه ابن أبي زيد القيرواني وجوابه عليها.




للشيخ الفاضل أبي محمد عبد الله بن أبي زيد الفقيه المالكي القيرواني أطال الله بقاه وأدام [عزه] وتأييده وسعادته وكفايته ونعمته وحراسته وتوفيقه من محمد بن أحمد بن مجاهد الطائي البصري.

يوصل القيروان حضرة الشيخ الفاضل الفقيه ابن أبي زيد أدام الله عزه.

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله الله على سيدنا ومولانا النبي محمد.

أطال الله بقاء الشيخ الفاضل [وأدام] عزه وتأييده وسعادته وكفايته وحراسته ومعونته وتوفيقه …. وجمع لنا وله خير الدنيا والآخرة وجهتم عن سلامه وعافية، أحمد الله عليها وأسأله أن يجزل حظه منها وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله وسلم تسليما.

وما يتصل بنا من أخبار الشيخ الفاضل وما وهبه الله من الفضائل وخصه به من شرف المنازل قد أبهجنا وزاد في منيتنا وقويت به أنفسنا فكثرت رغبتنا إلى الله تعالى في الدعاء له ومسألتنا حسن الدفاع عنه، كما هو عليه أيده الله من الإقبال على العلم والاهتمام به والتوفير على أهله حتى قدد شرح من فنون العلم ما كان مشكلا وفتح من عيونه ما كان مطبقا وأنهج من سُبله ما كان وعرا وجمع من شواذه ما كان متفرقا، فأحسن الله جزاءه وأطال بقائه.

ولقد وقع إلينا من تصنيفه -أيده الله – قطعة من المختصر، وجدناه -أيده الله- قد أحسن في نظمه وألطف في جمع معانيه وكشف عما كانت النفوس تتوق إليه وكفا مؤونة الرحلة وطلب المصنفات، بالكلام السهل والمعاني البينة التي تدل على حسن العناية وكثرة المعرفة والخرص على منافع الراغبين في العلم والمتعلقين به، فأحسن الله -أيها الشيخ- جزائك وأجزل ثوابك وأمتع بدوام سلامتك.

ثم بلغنا أنه -أيده الله- قد صنف كتابا كبيرا جمع فيه مذهب الشيخ الإمام مالك رضوان الله عليه ورحمته واختلاف الروايات واختلاف أصحابه رضي الله عنهم، فدلنا ما شهدنا من هذه القطعة من المختصر على عظم قدر هذا المبسوط واشتماله على المحاسن وجمعه لكل متفرق من المذهب وشرح كل غلق فيه، فتاقت النفوس إليه وانصرفت الهمم نحوه، فلولا طول المسافة والعوارض التي تقطع كثيرا من أهل العلم عما يؤثرونه من المبالغة فيه والقصد إلى الشيخ المنفرد في هذا -أيده الله- لما بعد طريق يوصل إليه أيده الله وخف كل ثقيل يؤدي إلى فوائده وينال به العلم الذي لا يوجد إلا عنده.

وما يتصل بنا من فضل الشيخ -أيده الله- ورغبته في الثواب قد نشطني إلى تعريفه -أيده الله- ما بنا من الحاجة إلى هذين الكتابين وبتطلعي وبتطلع من قبلي. والشيخ الفاضل -أطال الله بقاءه- يتفضل في ذلك بما هو أهله ويمن بذلك علي، فإني إليه وجماعة من قبلي من إخوانه والراغبين في مذهب الشيخ الإمام -رضوان الله عليه- متطلعين [إليه]. [فإن رأى الشيخ -أيده الله- أن يتفضل بإنفاذهما بعد عرضهما بحضرته وإجازتهما ويتفضل بمكاتبتي بأخباره وأحواله وما يعرض قبلنا من مُهماته وحوائجه وما يعرض لأصحابه لي ولغيري من أصحابنا ممن آثر ذلك وأحبه].

-حفظهم الله- بالعراق وليسدي بذلك -أيده الله وعلى من بحضرته من إخوانه وأهل العلم- السلام.

وأنا أسأل الشيخ -أيده الله- أن يشركني في دعائه، فما أُغفِلُ ذلك له، أجابنا الله وإياه وفتح لنا وله برحمته إنه قريب مجيب وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما.

وكتب هذا الكتاب في السبت لتسع خلون من ذي القعدة، سنة ثمان وستين وثلاثمائة وجعلته على نسختين استظهارا في البلاغ وأرجو أن تبلغا إن شاء الله والحمد لله أولا وآخرا.

 

 

 

وهذا جواب أبي محمد بن أبي زيد القيرواني

إلى محمد بن أحمد بن مجاهد البصري.

بسم الله الرحمن الرحيم

أدام الله للشيخ الجليل البقاء في نعم داره وعين قاره وأحوال سارة مكلوءا بحراسته، محفوظا برعايته، ميسرا إلى محابه وطاعته وعصمه من الزيغ والفتنة و… من الصفح والرحمة وأيده بالتوفيق في البيان عن دينه وإظهار حجته ونشر حكمته وحصنه فيما يقول ويعمل بعصمته وجعله من [عباد] الله المتقين ومسَّكه بصالح سلفه المتقدمين.

كتبت [أحمد الله إليك] على ما بنا من ظاهر نعمة الله وباطنها في الدين والدنيا -وهبنا الله وإياك من شكره ما يرضاه عليها شكرا ويكون لنا عنده ذخرا- ولا حول لنا ولا قوة في ذلك وفي عده إلا به وصلى الله على سيدنا محمد نبي الرحمة وعلى آله وسلم.

وردني كتاب الشيخ -أجل الله قدره ورفع في الدارين ذكره- بما أبهجني من سلامته -أدامها الله له وواصلها عنده- وبما عظمت به يد الشيخ عندي من ابتدائه بالمكاتبة وما بسط من المواصلة وما دل على جميل القصد والطوية والنية الخالصة المرضية، نفعه الله بذلك ونفع به وجزاه أفضل جزاء التواصلين له، يوم تقاطع المتحابين لغيره والقلوب -أيد الله الشيخ- أجناد متواصلة وجوارح متعارفة وعلى هذا الدين مؤتلفة وإن نأت الديار وهو يجمع من الألفة ويوجب من الحرمة ما لا يوجبه قريب النسب ووشائج الرحم وصلك منه ببره وحماك من مساخطه.

وعندنا من أخبار الشيخ -أيده الله- مما تعم مسرته من بصيرته في هذا المذهب وذبه عنه ومحاماته عليه، -حماه الله من كل مكروه أولا وأخيرا- برحمته.

وذكر الشيخ -أطاب الله أخباره- ما وقع إليه من المختصر الذي عملناه وسهلنا فيه السبيل وقربنا فيه المعنى بمبلغ الطاقة وأرجو أن يسلمنا الله وإياك في كل قول وعمل.

وذكر الشيخ -صانه الله- ما أعجبه من ذلك واستحسن منه ومن بيانه وتقريب المعنى فيه، فقد أنست إلى [الملتمس الشيخ] -أيده الله- ونرجو أن يجعله الله خالصا لوجهه [الكريم وأن يرفعنا] من حال التكلف إلى حال النصيحة لله ولرسوله و… الدين الذي هو السبب المبلغ إلى رحمته.

ورغب الشيخ -رعاه الله- في إيصال هذا الكتاب إليه كاملا، لينتفع به الصادر والوارد وليبث في البلاد وينفعه الله به وينفعنا، فجزا الله الشيخ عنا وعن جميع المسلمين جزاء المتناصحين له وفيه وكنت على أن أجيد نسخ نسخه وأجتهد في مقابلتها وأبعثها، فلم يتسع بي الوقت إلى ما أردت من ذلك.

وذكرت أن شابين ممن يقرب منا توجها إلى الشيخ من مكة للقياه ولقيا أبي بكر، الشيخ الأبهري -رعاه الله- فذكرت أنهما حملا معهما هذا المختصر، مصححا، مقابلا، مع كل واحد منهما نسخة وهما شابان ممن عُني وفهم وهما محمد ابن خلدون وإسماعيل بن إسحاق، يعرف بابن عزره، فإن انتسخ من نسخة إحداهما فهو صحيح. ومع ذلك فأنا على ما أردت من تجويد نسخه وبعثها إلى الشيخ، أيده الله.

وأما الكتاب الكبير، المبسوط الذي ذكره الشيخ  -حفظه الله- الذي جمعنا فيه اختلاف أقاويل الشيخ الإمام، أبى عبد الله مالك بن أنس -رحمة الله عليه- واختلاف أصحابه -رحمهم الله- والذين من بعدهم من المالكيين إلى عصرنا هذا، قد جمعناه من الدواوين الكبار التي فيه ما ابتغينا من ذلك، فيه مجتمع ومفترق وجمعناه بالاجتهاد، لتعظم الرغبة وتكثر الفائدة فهذا الكتاب -أيد الله الشيخ- أنا فيه بدأت وقد تخلص من الكتب التي نسخ منها، الملحق والمستدرك وبقي أن ينقل من هذه النسخة مهدبا، لا إلحاق فيه ولا تقديم ولا تأخير وقد هذبت من هذه الصفة محو الثلاثين جزءا ولم يقابل بعد، لشغلي بتمام تخلصها من النسخة العويصة. وكتبت هذا الكتاب وما قوبل منها إلا كتاب الطهارة والجزء الأول من الصلاة وقد بعثت بهما إلى الشيخ، مقابلين، ليرى أول الكتاب وكيف يندرج. وأنا أسأل الله وبه أستعين، إذا أكمل الكتاب على ما ينبغي عملت على أن يصل إليه منه نسخة، إن شاء الله.

والكتاب المبسوط – أيد الله الشيخ- أقله إذا تم نحو الخمسين جزءا إلى خمس وخمسين، المختصر من نحو ثلاثمائة، مع ما ضم إليه من الأطراف والفوائد من سائر ما استندر من الكتب.

ولقبناه: كتاب النوادر والزيادات على ما في المدونة من غيرها من الأمهات. وأرجو أن يعين الله على مبلغ الأمل منه وينفع به المسلمين ويعيننا على ذلك بالتأييد في الإصابة لما يرضاه من عباده من الاجتهاد وحسن النية برحمته. والسلام على الشيخ ورحمة الله وبركاته وعلى من يحضره الشيخ من إخوانه وأوليائه وعلى خاصة وعامة الطالبين عنده، بارك الله فيهم ونماهم وكثرهم ومن كل من قبلنا من إخواننا ومن يحضرنا وخاصتنا ومن يلوذ بنا، على الشيخ، السلام ورحمة الله وبركاته من جميعهم.

وصلى الله على محمد نبيه وآله وسلم وعلى الشيخ أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري.

وما ذكر الشيخ -أيده الله- من إجازة الكتابين، فهما له إجازة ولكل من رغب في حمله عنا، فذلك لهم إذا وصل إليهم مصححا إن شاء الله.

وما ذكر الشيخ من الدعاء، فهذا واجب له وكذلك يرغب إليه فيما رغب فيه، أجاب الله لنا وله صالح الدعاء.

وكتبت هذا الكتاب في غرة شعبان من سنة تسع وستين وثلاثمائة.

لي ولغيري من أصحابنا ممن الرد له واجب.