مشاهد ومواقف من حياة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، وعائلته الملكية الشريفة في المنفى (1953- 1955م)



مشاهد ومواقف من حياة المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، طيب الله ثراه، وعائلته الملكية الشريفة في المنفى (1953- 1955م)

 ذ. محمد الأندلسي

 باحث في التاريخ- تطوان

 

تقديم:

أثار حدث نفي السلطان سيدي محمد بن يوسف من قبل سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، وإبعاده إلى خارج الوطن يوم 20 غشت 1953م، اهتمام الباحثين والدارسين المغاربة والأجانب على حد سواء، فانكبوا على وضع هذا الحدث الذي شكل منعطفا تاريخيا حاسما في نضال المغرب من أجل الاستقلال والحرية، في سياقه العام، وإبراز الظروف والمُلابسات التي أحاطت به، ورصد العوامل والأسباب التي مَهّدت له. كما انصب اهتمامهم -أيضا- على دراسة الآثار والتداعيات الناجمة عنه في المغرب وخارجه، وبشكل خاص مسألة الكفاح المسلح وما ميزها من نشاط كثيف للمقاومة السِّرِّية والعمليات الفدائية التي عمّت كل مناطق المغرب حواضرها وبواديها، وتركزت بشكل خاص في المدن الكبرى كالدار البيضاء والقنيطرة. والآثار الخارجية المرتبطة بمواقف الدول والمنظمات السياسية الإقليمية والدولية، كالأمم المتحدة (الكتلة الأسيوية- الإفريقية في الجمعية العامة) وجامعة الدول العربية، وموقف شريكة فرنسا في حماية المغرب إسبانيا. وهي كلها مواقف عبّرت عن استنكارها لهذا الفعل الشنيع، والخرق السافر لكل القوانين بما في ذلك معاهدة الحماية التي فرضتها فرنسا على المغرب سنة 1912م.

في ضوء هذه المعطيات، ارتأينا أن نسلط الضوء على جانب آخر من الحدث، لم يستوف حقه من الدراسة والتحليل -حسب علمنا- وهو حياة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وعائلته الملكية الشريفة في المنفى، ومعاناته اليومية، ومِحْنَة تنقله بين مناف متعددة ومختلفة، ومواقفه السياسية التي عبّر عنها من خلال تصريحاته للصحافة الفرنسية والعربية، ومن خلال خطبه. فقد لاحظنا أن هذا الجانب بقي في منطقة الظل ولم تسلط عليه الأضواء الكاشفة لمعرفة حقيقة تجربة المنفى التي عاشها السلطان محمد بن يوسف وعائلته الملكية الشريفة. وبالرغم من توفر بعض المصادر التاريخية الفرنسية والمغربية التي أولت هذا الموضوع نوعا من الاهتمام[1]، إلا أنه ما زال هناك الكثير من الخبايا في حاجة إلى البحث فيها والكشف عنها. ولحسن الحظ أن الجرائد والصحف الصادرة وقتئذ -الفرنسية منها والعربية- تابعت عن كثب تطورات ومُجريات نفي السلطان محمد الخامس، وتتبعت -بشكل متواصل- كل جديد يتعلق بحياة السلطان في المنفى. لذلك آثرنا الاعتماد عليها في معالجة هذا الموضوع، مع التركيز على جريدة “الأمة” لسان حزب الإصلاح الوطني، التي قال عنها جلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه: “إن جريدة الأمة كانت بحق وبكل افتخار سَلْوَتي الوحيدة في منفاي. وكانت هي الصحيفة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تخترق الستار الحديدي، وتقطع هذا البعد الشاسع. وكنت أتطلع إلى وصولها بفارغ الصبر؛ لأنني كنت أنظر إليها كأنها مرآة مصقولة تنعكس على صفحاتها حقيقة ما يجري في وطننا العزيز”[2]. إنه لتشريف عظيم من ملك عظيم لجريدة وطنية اضطلعت بدورها في الذود عن القضية المغربية والدفاع عن قائد الأمة وملكها الشرعي، كما أكد ذلك جلالته بنفسه في قوله: “كما أنني أعتبر هذه الجريدة الوطنية، أنها أول صحيفة مغربية حملت لواء الدفاع عن شخصنا وسيادة وطننا في هذه الظروف العصيبة التي اجتازها مغربنا المجاهد، حيث ظلت في ميدان الصراع إلى اللحظة الأخيرة”[3].

لقد انصب عملنا -في هذه الدراسة- على تتبع تفاصيل وجزئيات تجربة المنفى وتعامل السلطان محمد بن يوسف معها، والمواقف التي اتخذها، والمبادئ التي ثبت عليها، منذ لحظة إبعاده ونفيه، إلى يوم عودته الميمونة والمظفرة إلى وطنه الحبيب، ولقائه بشعبه المخلص الوفي.

1- مشهد نفي السلطان محمد بن يوسف وعائلته الملكية الشريفة، وإبعاده خارج الوطن

وصفت المصادر التاريخية الأجنبية والمغربية -بشكل مفصل ودقيق- مشهد تطويق القصر الملكي بالرباط من طرف الدبابات والمدرعات والجنود الفرنسيين، واقتحامهم البوابة الرئيسية للقصر، واعتقالهم الحرس الملكي وتجريدهم من سلاحهم، وذلك في وقت الظهيرة من يوم 20 غشت 1953م؛ حيث وصل المقيم العام الفرنسي الجنرال گيوم (Guillaume) إلى القصر الملكي عند الساعة الواحدة والنصف بعد الزوال، يصحبه كل من الجنرال دوفال (Duval) القائد الأعلى للقوات الفرنسية بالمغرب، والمسيو دوتيل (Dutheil) مدير الأمن، وموظفين آخرين، فطلب مقابلة السلطان الذي كان يفرغ للتو من تناول غذائه، ولم يكن لديه الوقت الكافي لتغيير ثيابه، فاكتفى بارتداء “جلابة” فوق ثياب نومه، فتوجه المقيم العام گيوم إلى الملك قائلا: “إن الحكومة الفرنسية لدواعي الأمن، تطلب منكم التنازل عن العرش، فإذا قبلتم ذلك عن طيب خاطر، استطعتم أنتم وأسرتكم أن تقيموا في فرنسا أحرارا معززين مكرمين”[4]. فرد عليه الملك بصوت هادئ قائلا: “ما من شيء في أعمالي وأقوالي يبرر أن أتخلى عن أمانة أضطلع بأعبائها بصفة مشروعة. وإذا كانت الحكومة الفرنسية تعتبر أن الدفاع عن الحرية والشعب بمثابة جريمة يعاقب عليها، فإني أعتبرها فضيلة يفاخر بها وتورث صاحبها المجد”[5]. وبدا أن الجنرال الفرنسي يوشك أن يفقد السيطرة على نفسه، فقال بصوت أكثر ارتفاعا: “إذا لم تتنازلوا حالا عن العرش بالرضى، فإني مكلف بإبعادكم عن البلاد صيانة للأمن”[6]. فأجاب الملك بكلمات متمهلة قائلا: “إني ملك المغرب الشرعي، ولن أخون أبدا الأمانة التي ائتمنني عليها شعبي الوفي المخلص، إن فرنسا قوية فلتفعل ما تشاء”[7]. فلما رأى الجنرال گيوم ثبات السلطان على موقفه كالجبل الراسخ، أصدر أمره للجنود والضباط -الذين كانوا معه- بأخذ الملك محمد بن يوسف ونجليه الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله -شاهرين مسدساتهم ورشاشاتهم في وجوههم وخلف أظهرهم- واقتيادهم إلى السيارات العسكرية، في اتجاه المطار العسكري بالسويسي، القريب من القصر الملكي، حيث أدخل كل واحد منهم إلى حجرة يحرسها الجنود[8]. ولما اقتربت الطائرة التي ستنقلهم إلى المنفى، طُلِبَ منهم الصعود على متنها، فاحتج الأمير مولاي الحسن بكون السلطان مريضا ولا يستطيع السفر بالطائرة، وطالب باستدعاء الطبيب الخاص به، فحضر الدكتور ديبوا روكبير (Dr. Dubois Roquebert) في الحين وأكد كلام الأمير مولاي الحسن، إلا أن المنفذين لم يعيروا ذلك اهتماما، “ودفعوا بنا نحو الطائرة التي أقلعت باتجاه مجهول”[9]. وقد صرح الجنرال گيوم للصحافة في اليوم الموالي لحادثة نفي السلطان، قائلا: “الوضعية التي تابعتم تطورها خلال الأسابيع الماضية، كشفت عن خلافات عميقة، فرقت بين العاهل الحاكم والشعب المغربي. وكان من المفروض أن يؤدي هذا الخلاف إلى أزمة، تم حلها للتو بإبعاد سيدي محمد بن يوسف واعتلاء العرش سيدي محمد ولد مولاي عرفة”[10].

من خلال هذه التفاصيل التي سجلتها المصادر التاريخية، يمكن استخلاص جملة من الاستنتاجات والتأويلات التي تكشف عن النوايا الحقيقية للسلطات الفرنسية تجاه ملك البلاد الشرعي؛ فتطويق القصر الملكي بالقوات العسكرية، واقتحامه بشكل يوحي بتنفيذ عملية عسكرية خطيرة، واصطحاب قوة من الضباط والجنود شاهرين أسلحتهم في وجه أناس مدنيين عُزَّلٍ، واستخدام لهجة جافة في مخاطبة ملك المغرب الشرعي، كل هذه التصرفات توحي بأن هدف فرنسا كان هو الضغط على السلطان بكل الوسائل المتاحة لإرغامه على التنازل عن العرش، حتى يتسنى لها مواجهة الرأي العام في المغرب كما في فرنسا بأن السلطان تخلى عن العرش برضاه وبمحض إرادته. إلا أن ثبات السلطان ونجليه الأميرين، أربك حسابات المقيم العام الجنرال گيوم الذي زاد في جرعة قسوته في معاملة الملك وابنيه، فأمر باعتقالهم ومعاملتهم كما يعامل أسرى الحرب.

وقد شكلت مسألة التنازل عن العرش مطلبا أساسيا أصَرَّت عليه الحكومة الفرنسية من خلال تكرار المحاولات، وإيفاد البعثات الرسمية وشبه الرسمية إلى السلطان في منفاه بمدغشقر من أجل إقناعه بالأمر، إلا أن موقف جلالته ظل ثابتا وراسخا رسوخ الجبال، إيمانا منه بجسامة الأمانة الملقاة على عاتقه، التي تستوجب منه الوقوف سدا منيعا في وجه المخططات الفرنسية للمساس بحقوق الشعب المغربي ومصالحه. ففي شهر أكتوبر 1954م، أوفد وزير الشؤون التونسية- المغربية المسيو كريستيان فوشي (Fouchet Christian) الطبيب الخاص بجلالة الملك الدكتور دوبوا  إلى مدغشقر في محاولة يائسة لإقناع السلطان بالتنازل عن العرش، فكان جواب السلطان قاطعا وواضحا لا يقبل التأويل، حيث قال: “إنني أستمد سلطتي من الشعب المغربي الذي عبّر عن ثقته بي، وقد رفضت التنازل عن العرش تحت ضغط الحركة الانقلابية، فمن الأحرى أن أرفض التنازل اليوم، حيث إن البرهان أصبح قاطعا بأنني كنت ضحية للأكاذيب والقذف. وفي الوقت نفسه فأنا أعلن أنني على استعداد لدراسة كل حل خلا التنازل عن العرش للتوصل إلى تهدئة الحالة، ولتحقيق تسوية مشرفة ضمن الاحترام الكامل لحقوق المغرب المشروعة”[11].

2- من المنفى القريب إلى المنفى البعيد

1-2- منفى كورسيكا؛ من قرية زونزا (Zonza) إلى قرية ليل روس (L’ile Rosse)

توجهت الطائرة العسكرية التي كانت تحمل على متنها -بالإضافة إلى السلطان محمد بن يوسف ونجليه الأميرين مولاي الحسن ومولاي عبد الله- الكولونيل كاربونيي (Carbonier) مراقب المصالح المدنية بالإقامة العامة الفرنسية بالرباط، واثني عشر شرطيا حربيا مدججين بالسلاح، إلى مدينة أجاكسيو (Ajaccio) عاصمة جزيرة كورسيكا، حيث حطت بمطار كامبو ديل أورو (Campo del Oro) على الساعة العاشرة وسبع دقائق ليلا، فوجدوا في استقبالهم عمدة مدينة أجاكسيو المسيو مارسيل سافرو (Marcel Savreux) وعددا من الشخصيات المدنية والعسكرية[12]. وقد قدّم الحاكم “سافرو” شهادة مؤثرة بخصوص الحالة التي كان عليها السلطان ونجلاه عند وصولهم إلى مطار الجزيرة، وكيف تم إخباره -عبر الهاتف- من قبل وزير الداخلية الفرنسي مارتينود ديبلا (Martinaud-Déplat) حوالي الساعة الخامسة مساء، بأنه يجب عليه أن يستقبل ويؤوي “الشخصية الأعلى في المغرب”، دون أن يسميها أو يحدد هل يتعلق الأمر بالسلطان أو بالمقيم العام، ودون أن يشير إلى ساعة وصولها. وعند هبوط الطائرة بالمطار صعد “سافرو”  إليها، وسيطر بصعوبة على انفعاله وغضبه واستيائه، عندما تفاجأ بأن الرجال الثلاثة الذين يجلسون القرفصاء على أرض الطائرة ويرتجفون من البرد، هم سيدي محمد وابناه الاثنان[13]. وقد أشاد جلالة الملك الحسن الثاني بخصال هذا الرجل وتصرفه اللائق معهم ومعاملته الحسنة لهم[14].

نُقِلَ السلطان وعائلته الملكية الشريفة -في غضون ثلاثة أسابيع من وصلوهم إلى أجاكسيو- إلى قرية زونزا جنوبي شرق جزيرة كورسيكا، فنزلوا في فندق موفلون الذهبي (Hôtel du Mouflon d’Or)، وقد فرضت السلطات الفرنسية ستارا حديديا على القرية والفندق، لمنع اتصال العائلة الملكية بالمحيط الخارجي، حيث الرقابة متواصلة ليل نهار “يتولاها زهاء مائة دركي وأفراد من الحرس الجمهوري الفرنسي”[15].

وبالرغم من ذلك الطوق الأمني المحكم، فقد استطاع أحد الصحفيين الأجانب من اختراقه، ونقل بعض التفاصيل المتعلقة بحياة الأسرة الملكية في هذه القرية الكورسيكية، فذكر أن الفندق -الذي نزل السلطان فيه- تم إخلاؤه من كل رواده باستثناء عمدة القرية المسيو فرسيني، بل حتى هذا الأخير “خضع لأوامر البوليس، فنقل من غرفته بالدور الأول إلى حجرة صغيرة في البدروم”[16]، كما اختير مدير الفندق من غير سكان القرية زيادة في الحرص والحيطة. أما الطعام فكان يجلب من فندق الكونتنتال بأجاكسيو كل يوم بالسيارة، علاوة على الطائرة التي تصل إلى العاصمة مرة كل يومين تحمل الطعام، وحده الخبز هو الذي كان يتم اقتناؤه من القرية. وقد لاحظ الصحفي أن حياة الأسرة المالكة في “زونزا” يكتنفها الغموض بسبب عدم مغادرتهم الفندق مطلقا، وروت له إحدى بائعات الفاكهة بالقرية “أن الأميرات لا يقابلن اليوم أحدا لا في الحديقة ولا على سلم الفندق، وهن عندما يخرجن من الفندق يكن تحت عيون البوليس، ولذلك لا يستطعن أن يتحدثن مع أحد، وهكذا يفضلن البقاء في الفندق”[17]. ومن أجل إيصال صورة الحراسة المشددة، المفروضة على العائلة الملكية، يروي الصحفي، على لسان إحدى السيدات من القرية، حادثا وقع لإحدى الأميرات؛ “لقد حدث أن أطلت بعضهن من نافذة الفندق، فأخذ لهن أحد المارة صورة فوتوغرافية، وهنا تدخل رجال البوليس المدنيون في حديقة الفندق، وراحوا يوجهون إليهن كلاما لم أتبينه، ومن يومها والنافذة مغلقة حتى إنه لا يبدو وراءها نور”[18].

إن مثل هذه المعاملة القاسية والمضايقات اليومية من طرف الحراس والمراقبين الفرنسيين، دفعت بالعائلة الملكية إلى الإضراب عن الخروج من الفندق، فحركت السلطات الفرنسية الحملات الإعلامية الرامية إلى تشويه صورة العاهل وأهله، فأخذت تحيك المؤامرات ضده، وتختلق الإشاعات الكاذبة في حقه، ومن ذلك -حسب رواية الصحفي الأجنبي- قصة سوء التفاهم بين السلطان وابنه الأكبر ولي العهد مولاي الحسن، وأن السلطان طلب من السلطة الفرنسية طرده من زونزا واعتقاله في زنزانة خاصة، وأنه ألقى عليه مسؤولية نفيه، وأنه هو الذي باشر كل الأعمال وكل السلطة والنفوذ في الرباط، وقاوم توقيع السلطان على مراسيم الفرنسيين، وأنه إنسان ذو طبيعة شرسة، وأنه لا يخضع لأي أمر تصدره إليه الإدارة أو حتى أوامره هو[19]. كما اتهمت السلطات الفرنسية -زورا وبهتانا- السلطان بكونه عميلا للنازية، فنشرت جريدة فرانس سوار (France Soir) -في أكتوبر 1953م-  صورا لما اعتبرته وثائق من شأنها إدانة السلطان بالتعامل مع ألمانيا النازية[20]. إلا أن مثل هذه الإشاعات السخيفة لم تكن لتجد آذانا صاغية وعقولا تصدقها حتى بين الشخصيات الفرنسية البارزة؛ ففي 30 يونيو، طُلِبَ من الجنرال دوكول أن يدلي برأيه في الموضوع أثناء ندوة صحفية، فقال: “دعوني أرفع كتفي استهزاء، فالسلطان قد رفض كل الالتماسات الموجهة إليه […] إنه رفيق التحرير”[21]. والأمر سيان بالنسبة لأهالي زونزا، الذين كانوا يتعاطفون مع السلطان وعائلته، ويمجدونهم في أحاديثهم، بل ويتغنون بالسلطان ويسخرون من السلطة الفرنسية، فقد انتشرت بينهم أغنية لها دلالات عميقة تقول: “جاء الرجل ذو العباءة البيضاء والطربوش الأبيض الذي كالحليب، لنضع التابوت .. للمرأة العجوز التي تريد .. أن تعربد حتى تزفر آخر نسمات الحياة”[22]. وفهم الفرنسيون من هو الرجل ذو العباءة البيضاء، ومن هي المرأة العجوز التي تعربد وتسكر وتستعمر.

أثارت هذه الشعبية الكبيرة التي أصبح السلطان محمد بن يوسف يحظى بها بين أهالي قرية زونزا، قلق السلطات الفرنسية ومخاوفها، فقررت نقل العائلة الملكية إلى قرية “ليل روس” في الشمال من جزيرة كورسيكا، وهي قرية تعداد سكانها 200 نسمة. فاختاروا له فندقا من الدرجة الأولى هو فندق “نابليون بونابرت”، يبعد عن البحر نحو 50 مترا، وبينه وبين محطة السكة الحديدية نحو 200 متر. والحقيقة أن السلطات الفرنسية لا تريد أن تترك السلطان في كورسيكا، فهي قريبة من مركز المواصلات الإيطالية والفرنسية ومن المغرب أيضا. “كما أنهم يخشون أن تفلت بعض الحقائق من فم السلطان، وهم حريصون على أن تبقى هذه الحقائق في طي الكتمان وأن تموت مع السلطان”[23].

ومن منفى كورسيكا، وجه السلطان محمد بن يوسف نداء إلى شعبه الوفي بمناسبة ذكرى تربعه على العرش، وهذه الوثيقة مؤرخة في 12 دجنبر 1953م، استنكر فيها السلطان تآمر السلطات الفرنسية مع “العُصاة المتمردين” لنفيه، بعد رفضه التنازل عن العرش، مؤكدا على ثباته ومُصابرته على تحمل الصعاب ومواجهة الشدائد والتضحية بكل شيء في سبيل عزة البلاد وكرامتها وحريتها، مُناشدا شعبه الوفي بمواصلة الكفاح ومُضاعفة المجهود من أجل تحقيق الكرامة والحرية، “فإن ذلك وحده يخفف عنا آلام البعد عن الوطن، ووحشة الغربة في هذه الجزيرة المنعزلة، التي تحول بيننا وبين مُشاركتك شرف الجهاد في سبيل تحرير البلاد”[24].

2-2- الرحلة إلى منفى مدغشقر

لم يكن ليهدأ بال السلطات الفرنسية والسلطان محمد بن يوسف يوجد على بضع مئات من الكيلومترات من سواحل وطنه الحبيب، فبعد خمسة أشهر قضاها في منفى كورسيكا، قررت السلطات الفرنسية نقله وعائلته الملكية إلى مكان أبعد، بذريعة أن قربه من المغرب يزكي الحماس في نفوس رعاياه، ووجوده في كورسيكا معرض دائما لإفلاته من يد فرنسا[25]. وزاد القلق الفرنسي -بشكل كبير- بعدما تبلور الموقف الإسباني من قضية المغرب، وإعلان إسبانيا عن تأييدها للملك الشرعي[26]، فأصبح “احتمال اختطافه أكثر من ذي قبل، وليس من المناسب ترك هذا العِلْق النفيس معرضا للضياع، فليُبْعَدْ إلى المحيط الهندي أو الهادي عسى أن تحصل بذلك فرنسا على مُبتغاها”[27]. وقالت السلطات الفرنسية بأجاكسيو إنها اضطرت إلى نقل جلالة الملك سيدي محمد بن يوسف من منفاه هذا إلى مكان مجهول، أمام ازدياد التوتر والقلق في المغرب. وأضافت بأنها وضعت حدا لمنفاه في كورسيكا بالنظر إلى مظاهرات التأييد لسلطته، التي حدثت في المنطقة الإسبانية، وتفاديا لتحريره على يد “طلائع للإنقاذ” ترسلهم الجامعة العربية[28]. وأطلقت فرنسا العنان لصحافتها لترويج الشائعات التي تبرر بها نقلها للسلطان إلى منفى أبعد، فادّعت أن السبب وراء اتخاذ هذا القرار هو أن الحركة الوطنية المغربية قد عرضت على الطيار الألماني الذي اختطف موسوليني من أيدي الحلفاء أثناء الحرب العالمية الأخيرة 500 مليون من الفرنكات مقابل اختطافه لجلالة محمد بن يوسف والتوجه به إلى القاهرة[29].

وقد اختلفت آراء صناع القرار الفرنسيين في باريس والرباط حول الوجهة التي ينبغي نقل السلطان وعائلته إليها، فكانت جزيرة تاهيتي في المحيط الهادئ -التي تبعد عن الوطن بسبعة عشر ألفا من الكيلومترات- هي المرشحة في البداية، ثم عدلت السلطات الفرنسية عنها بعد ذلك، وفضلت جزيرة مدغشقر في المحيط الهندي. ويفسر عدول السلطات الفرنسية عن خيار جزيرة تاهيتي، باحتجاجات السكان -بعد وصول نبأ قدوم السلطان وحاشيته إلى الجزيرة- الذين يخافون أن تنقلب الإقامة الإجبارية للعائلة الملكية إلى سبب يمس بتيار السياح الذي يقوم عليه اقتصاد جزيرة تاهيتي، كما يطرح مأوى سيدي محمد بن يوسف وحاشيته مشكلة؛ لأنه لا توجد بالجزيرة ممتلكات خاصة تناسب ذلك[30]. والمساحة المسكونة من الجزيرة صغيرة، ووسط الجزيرة سلسة جبلية. أما السكان -وعددهم ثلاثون ألفا- فموزعون على الشاطئ الذي يبلغ طوله مائة وإحدى وتسعين كيلومترا، ومهما يكن المكان المعين للإقامة، فسيصبح من العسير فرض العزلة على سيدي محمد كما فرضت عليه في كورسيكا[31]. وتجدر الإشارة إلى أن السلطان سبق أن طلب من الحكومة الفرنسية نقله إلى إحدى مدن فرنسا حرصا على مستقبل أبنائه العلمي دون أن يحصل على رد[32].

وهكذا اتخذت السلطات الفرنسية قرارها يوم 20 يناير 1954م، ضد جلالة الملك محمد الخامس، بنقله من جزيرة “ليل روس” بجزيرة كورسيكا إلى “أنتسيرابي” بجزيرة مدغشقر، في رحلة طويلة وشاقة، وصفتها -بشكل موجز- مجلة باري ماتش (Paris Match) في العدد 264. ففي صبيحة يوم الاثنين 25 يناير خرج السلطان والأميران مولاي الحسن ومولاي عبد الله -تحت حراسة شديدة من البوليس المسلح والحرس الجمهوري- يرتدون الزي الأوربي، أما النساء فخرجن في حُلتهن المغربية وهن متحجبات[33]. وقد أشرف على عملية الإبعاد هذه، الكونت كلوزيل (Clauzel)، بعد تعيين لانييل (Laniel) له رئيسا لتشريفات العاهل المنفي. “وفي الساعة السابعة من صباح الاثنين، غادر الملك فندق نابليون بونابرت، بعد مضي خمسة شهور وخمسة أيام على إقامته بالجزيرة [كورسيكا]. وكانت تتقدم الركب الملكي سيارتان، أولاهما لرجال الشرطة والأخرى للحرس الجمهوري. وفي الساعة السابعة والنصف كانت الطائرة في انتظاره بميناء باستيا الجوي، وهي من نوع سكايماستر أهداها ترومان للجنرال دوكول. ورأى جلالة الملك أن حالته الصحية قد لا تحتمل السفر الطويل بالطائرة، ففحصه طبيب كان في كوريا يدعى ديم قائلا: “لا مانع من السفر، فقال الملك في نفسه: “لا حول ولا قوة إلا بالله”، ثم ركب هو وحاشيته مع اثنين من مفتشي الشرطة. هبطت الطائرة في جنوب الجزائر ولبثت فترة، شرب خلالها الملك  قدحا من الشاي والتقط ولي العهد بعض الصور لوالده، بينما انشغل مولاي عبد الله بفحص آلات الطائرات. لوحظ أثناء السفر أن جلالته لا يتكلم ولا يقرأ ولا ينام نوما مريحا، وإنما يدير مفتاح الراديو ليلتقط أخبار الوطن المصاب بالسرطان الفرنساوي، ولا يدلي برغائبه إلا لولي عهده مولاي الحسن”[34].

وبعد الوصول إلى برازافيل بإفريقيا الاستوائية يوم 26 يناير، قضت العائلة الملكية ليلتها في قرية على ضفاف نهر الكونغو تحت حراسة فرقة من جيش المظليين الفرنسيين، على أن تأخذ فترة من الراحة قبل أن تكمل الشطر الثاني من الرحلة في اتجاه مدغشقر. وقد تمكن أحد الصحفيين -وهو مراسل لجريدة الديلي إكسبريس الإنجليزية- أن يتخطى الحصار المضروب على جلالة الملك محمد بن يوسف في برازافيل، ويحصل منه على تصريح يعتبر الوحيد من نوعه[35]، تضمن ثلاثة أسئلة مباشرة؛ فبخصوص سؤاله عن سبب نقل جلالته من كورسيكا إلى منفى بعيد، أجاب الملك قائلا: “إن الإفرنسيين قد تخوفوا من قيام الوطنيين المغاربة من اختطافي، فقرروا نقلي إلى مكان مضمون”، وعن اعتقاده في العودة إلى عرش المغرب، قال جلالة الملك: “أنا واثق بأنني سأعود إلى وطني، وسأتربع من جديد على عرش المغرب، الذي أعتبر نفسي أحق الناس به”. أما عن رأيه في كفاح الشعب المغربي، أجاب جلالة الملك: “أعتقد أن الشعب المغربي سيواصل كفاحه حتى يرغم فرنسا على احترام إرادته”.

هذا وقد احتجت أحزاب الحركة الوطنية المغربية -بشدة- على هذا الإجراء التعسفي الذي اتخذته السلطات الفرنسية في حق السلطان وعائلته الملكية، والقاضي بإبعاده إلى منفى ناء وبعيد، وحملوها مسؤولية أي خطر يهدد سلامة الملك، حيث ورد في بيان حزب الإصلاح الوطني: “وعليه، فحزب الإصلاح الوطني يعلن للعالمين استنكاره لجميع تصرفات الحكومة الفرنسية في المغرب ضد جلالة الملك وشعبه الوفي. ويدعو الشعب المغربي إلى الاستمرار في إقامة البراهين القاطعة على وفائه الدائم لبيعته الشرعية وولائه الكامل لملكه الأوحد حفظه الله. ويعتبر الحكومة الإفرنسية مسؤولة عن كل ما يصيب شخص العاهل العظيم وعائلته الكريمة”[36]. كما عقد الأستاذ علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال ندوة صحفية في القاهرة، أعلن خلالها احتجاج حزبه على الإبعاد الجديد الذي أنزلته الحكومة الفرنسية بجلالة السلطان، جاء فيها: “إن حزب الاستقلال يجعل الحكومة الفرنسية المسؤولة المباشرة عن كل خطر قد يهدد شخص جلالته أو أفراد عائلته الماجدة”[37]. مضيفا: “إن الحزب ينتظر أن تعرف فرنسا إصلاح غلطها بأن تعيد العرش للسلطان محمد الخامس، وتعترف للمغاربة بحقهم في الوحدة والحرية والاستقلال”[38].

وفي صبيحة يوم الخميس 28 يناير نقل جلالة الملك وعائلته الشريفة من مطار “مايا مايا” ببرازافيل على متن طائرة عسكرية في اتجاه طناناريف (Tananarive) عاصمة جزيرة مدغشقر التي وصلها -بعد عشر ساعات من الطيران- صباح يوم الجمعة 29 يناير، صحبة زوجته وأبنائه وبعض الحشم[39]. وكان مطار “أريفونيمانا” مُحاطا بالقوات الفرنسية والسينغالية، وقد كان في انتظار جلالته المستشار الدبلوماسي لحاكم الجزيرة العام المسيو شافهاوزر، الذي التزم بفرض حراسة -منذ ذلك الحين- على سيدي محمد بن يوسف وصحبه.

ثم طار العاهل ثانية إلى مدينة صغيرة تقع بالجبال الجنوبية من الجزيرة الكبرى، وقد عين النادي العسكري مكانا لإقامته قبل القيام بالرحلة الأخيرة من هذا السفر الطويل الذي أجبرته عليه السلطات الفرنسية[40]. ثم نقل بعد ذلك السلطان من النادي العسكري إلى إقامة أنسب وهو فندق تيرمينوس، حيث أذاعت الأنباء الفرنسية، أن الإقامة الجديدة للملك تقع وسط حديقة غناء مليئة بالزهور والأشجار الجميلة[41]. ولعل الدعاية الفرنسية تحاول بهذا أن تخفف ألم المواطنين الذين لم يطيقوا صبرا على نفي ملكهم وبطلهم العظيم، ويعتبرون ذلك عملا عدائيا لا يخففه أي ترفيه يعامل به العاهل العظيم. ومن العاصمة طناناريف نقل السلطان وعائلته الملكية إلى قرية أنتسيرابي التي تقع جنوبي العاصمة على بعد 170 كيلومترا، وارتفاعها 1700 متر، ويسمونها “فيشي مدغشقر”.

3- مشاهد من حياة السلطان محمد الخامس في منفى مدغشقر (أنتسيرابي وطناناريف)

لما وصل نبأ قدوم الأسرة الملكية المغربية إلى علم سكان المدينة، “تجمع الأهالي لتحية الملك والإعجاب ببطولته”[42]. وفي أنتسيرابي نزلت العائلة الملكية بفندق تيرم (Thermes)[43]، وسرعان ما اكتسب السلطان سيدي محمد بن يوسف شعبية واسعة، واحتراما وتقديرا كبيرين من طرف أهالي البلدة الملغاشية، إذ أصبح معروفا لديهم بجلبابه ومعاملته الحسنة ومجاملته للجميع[44]. فهو بالنسبة لهم -بغض النظر عن كونه ملكا- رب أسرة مسؤول وغير مبذر، يستوفي جميع التزاماته وتعهداته[45]. لقد استثمر السلطان مُقامه في المنفى للتفرغ للعبادة والصلاة والوعظ والإرشاد، فكثيرا ما كان يؤم المصلين في الصلاة، ويلقي -باللغة الفرنسية- دروسا دينية عليهم بعد صلاة الجمعة، يخصصها لتفسير بعض الآيات من الذكر الحكيم[46]. وفي كل يوم جمعة كان جلالة الملك يصل إلى مسجد القرية في جلبابه الرمادي وطربوشه الأبيض لأداء الفريضة، وبعد انتهاء الصلاة والدعوات يخرج إلى صحن الجامع فيقف طويلا يوزع الصدقات على الفقراء[47]. ومن أعمال البر والإحسان التي جبل عليها ملوك الدولة العلوية، ورضع لبنها جلالة الملك محمد بن يوسف، تبرعه بمليون ونصف مليون فرنك لتوسيع المسجد الذي يقيم فيه صلاة الجمعة مع بقية سكان القرية. وقد عانى السلطان محمد بن يوسف طيلة مُقامه بمنفى مدغشقر من مرض العيون، فكان يتردد باستمرار على طبيب العيون في العاصمة طناناريف، فيكون الأمر فرصة لأفراد العائلة الملكية للخروج من أنتسيرابي وأخذ فترة استراحة قصيرة. وقد رصدت جريدة “الأخبار” المصرية يوما من حياة محمد الخامس في هذه العاصمة الملغاشية[48]، حيث لاحظ مراسل الصحيفة أن جلالة الملك يدفع فاتورة فندق كومرس لمدة أربعة أيام بما قدره نصف مليون فرنك فرنسي، وقد أشار إلى هذه المسألة الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، عندما قال: “كنا سجناء ولكن على نفقتنا، لقد كان على الملك أن يدفع نفقات سجننا وأجور موظفي الفندق ومستخدميه ورواتب حراسنا […] وكانت الحكومة الفرنسية تقتطع من أثمان ممتلكات والدي الشخصية التي أخضعتها لنظام الحراسة”[49]. وشوهد الملك وهو يقرأ الجرائد الفرنسية الأربعة المسموح له بتصفحها، وهي: الكومبا، الفيجارو، لوموند، الإكسبريس، وقد علق المراسل المصري على هذا المشهد قائلا: “وعلى الرغم من الرقابة المفروضة على بريد السلطان وعلى الرغم من مرض عينيه، استطاع أن يقرأ ما بين السطور وأن يدرك أن عاصفة جامحة تتجمع في الأفق”[50]. أما الأمراء والأميرات فكانوا يستغلون فترة الإجازة القصيرة للترويح عن النفس وتجديد الطاقة لمواجهة مشقة العزلة في منفى أنتسيرابي، فكانوا يذهبون إلى دار السينما لمشاهدة ما تعرضه من أفلام، حتى الأميرة الصغيرة التي ولدت في المنفى جاءتها لعب أمر السلطان بشرائها لها؛ دُبّة كبيرة وخيل تجري على عجلات.

ومن الأمور التي ذكرها مراسل الصحيفة المصرية، مسألة سفر الأمير مولاي عبد الله بمفرده إلى باريس من أجل اجتياز امتحان البكالوريا وموقف السلطان من ذلك، حيث وجه خطابا صريحا إلى رئيس الحكومة الفرنسية قال فيه: “لن أدع الأمير وحده حتى يصبح ضحية سريعة لعوامل الفتنة والإغراء التي يتعرض لها الشباب في مثل سنه في بلادكم”[51]. فاضطرت الحكومة الفرنسية إلى إرسال ممتحن له، قطع مسافة عشرين ألف كيلومترا بين باريس ومدغشقر حتى يبقى الأمير الشاب بعيدا عن مناورات السلطات الفرنسية.

ومن الأحداث العائلية السعيدة التي عاشها جلالة الملك محمد بن يوسف وأسرته الشريفة في منفى أنسيرابي، حدث ولادة الأميرة للا أمينة يوم 14 أبريل 1954م، فأقامت الأسرة الملكية حفلة بسيطة بهذه المناسبة السعيدة[52]. وعلقت جريدة الأمة على الصورة بـ :”عطف الأبوة وابتسامة الثقة، جلالة الملك محمد الخامس والأميرة للا أمينة حديثة الولادة”[53].

         تواردت على محمد بن يوسف البعثات الفرنسية الرسمية وشبه الرسمية من أجل التفاوض معه بشأن مجموعة من القضايا الجوهرية المتمثلة في حل مشكلة العرش، ومسألة نقله إلى فرنسا، وحالة التوتر الخطير الذي بات المغرب يعيش على وقعه بعد نفي الملك الشرعي، وعجز السلطات الفرنسية عن احتوائه وإخماده.

ففي هذا السياق استقبل السلطان أولى هذه البعثات الفرنسية في شهر مارس 1954م، التي تكونت من المسيو “ألبرت لامارل” (Lamarle Albert Jules) المفتش العام للمراكز الدبلوماسية والقنصلية بوزارة الخارجية الفرنسية، والمسيو “رويي” (Rouyre) المكلف بإدارة أموال جلالته، ومعهما السيد محمد المعمري وزير التشريفات لجلالته[54]. ويبدو أن فحوى المفاوضات التي جرت بين السلطان والمبعوثين الفرنسيين لم يكن حول مسألة إدارة أموال السلطان كما نشرت الصحافة الفرنسية في بداية الأمر، وإنما كان الأمر يتعلق بثلاثة نقط رئيسة، حسب المصادر الرسمية الفرنسية، هي:

 أولا: رغبة جلالة الملك في أن ينقل إلى الأراضي الفرنسية.

ثانيا: التزامه -هو وأولاده- بعدم القيام بأي حركة سياسية يخشى منها على إقلاق الأمن في المغرب أو فرنسا، وتكذيبه لكل ما قيل إنه صدر منه في هذا الصدد.

ثالثا: شهادته بأنه عومل باحترام في دائرة ما تسمح به حالة المنافي التي انتقل فيها[55].

ومما يؤكد هذا المضمون، الرسالتان المتبادلتان بين السلطان محمد بن يوسف والمبعوث الفرنسي “لامارل”، المؤرختان في 4 أبريل 1954م؛ فقد جاء في رسالة السلطان ما يأتي: “حضرة السيد الوزير، تبعا للمفاوضات التي أجريناها معكم بصفتكم الوزير المفوض عن الحكومة الفرنسية، فإننا نتعهد -وكذلك أبناؤنا- باعتزال كل نشاط سياسي، خصوصا ما كان من شأنه إقلاق النظام في المغرب أو فرنسا أو في أقطار الاتحاد الفرنسي. ونحن نود على الخصوص التحديد بأن كل كلمة أو مكتوب ينسبان إلينا ويكونان في تناقض مع هذا الالتزام فإنهما سيكونان هدفا للتكذيب من جانبنا”[56]. ويضيف جلالته قائلا: “ومع كل ذلك، فنحن نأمل أن تسمح الظروف للحكومة الجمهورية بتلبية رغبتنا التي أعربنا عنها من قبل، وهي الإقامة في فرنسا”. فكان جواب المبعوث الفرنسي في اليوم نفسه، وقد جاء فيه: “إنني أتشرف بإخباركم باستلام رسالتكم التي وجهتها جلالتكم إلي في تاريخه، بصفتي وزيرا مفوضا عن الحكومة الفرنسية، وأنا الآن محيط علما -باسم الحكومة الفرنسية- بالالتزامات التي وقعتها جلالتكم. هذا وإن الحكومة الفرنسية قد علمت بدورها برغبة جلالتكم”[57].

وفي شهر أكتوبر 1954م، أرسلت الحكومة الفرنسية مبعوثا آخر إلى السلطان في منفاه بمدغشقر، ولكن هذه المرة بشكل غير رسمي، ويتعلق الأمر بالطبيب الخاص بجلالته الدكتور “ديبوا روكبير”، أوفده المسيو “كريستيان فوشيه” وزير الشؤون التونسية والمغربية. والدكتور “روكبير” معروف بصداقته الشخصية لصاحب الجلالة، كما أنه يتمتع بثقته التامة، وبالاحترام الكامل في الأوساط السياسية الفرنسية والمغربية على حد سواء[58]. وتحاول الحكومة الفرنسية -عن طريق صداقة الطبيب المذكور- إقناع صاحب الجلالة بما اتخذته من إجراءات بشأن إقامته في فرنسا. وقد حمل الدكتور ديبوا روكبير مشروعا تضمن عرض حكومة منديس فرانس (Mendès-France Pierre) إلى جلالة الملك، الذي تكون من أربع نقط هي:

– أولا: يمكن لصاحب الجلالة أن يقدم إلى باريس بقصد الاستقرار في بعض ضواحي العاصمة، ولكن تحت الحراسة.

– ثانيا: يطلب من جلالته أن يوجه نداء إلى الشعب المغربي، يطلب منه فيه أن يركن إلى السكينة والهدوء ريثما تحل المشكلة حلا نهائيا.

– ثالثا: تنصيب وصي أو تكوين مجلس وصاية من أربعة أشخاص يستشار جلالته في اختيار نصف أعضائه، والنصف الآخر يعين باتفاق بين الحكومة الفرنسية وذوي الحيثيات في المغرب.

– رابعا: أثناء قيام الوصي أو المجلس بمأمورية الوصاية، تجري استشارات على شكل ديمقراطي للبث في القضية الملكية بصورة نهائية، كما أن جلالته سيستشار في اختيار شخص تتوفر فيه الشروط المؤهلة للقيام بمهمة الوصاية فيما إذا فضل أن يكون الوصي شخصا لا مجلسا[59].

يبدو من خلال هذا العرض أن الحكومة الفرنسية أصبحت مقتنعة -أكثر من أي وقت مضى- بأن حل قضية المغرب- يكمن في عودة السلطان محمد الخامس إلى عرشه، لكنها تخشى -إن هي مضت قدما في هذا الحل- أن تفقد نفوذها في المغرب من خلال أذنابها الخونة، الذين أخذوا يهددون بالتخلي عن مساعدة فرنسا. وترى الأوساط الوطنية المغربية، أن تؤيد هذا الإجراء، على شرط أن يكون خطوة أولى لعودة جلالة الملك، كما أنها غير مقتنعة بمشروع “الاستشارات الديمقراطية”؛ لأنها لا ترى في النظام البوليسي الموجود ما يمكن أن يضمن سلامتها وصحتها[60].

وقد عاد الدكتور ديبوا روكبير إلى باريس يوم 27 أكتوبر يحمل رد جلالة الملك إلى الحكومة الفرنسية، الذي تضمن رفضا قاطعا للتنازل عن العرش، بل وحتى إثارة هذا الموضوع، مؤكدا في الوقت نفسه عن استعداده “لدراسة كل حل خلا التنازل عن العرش للتوصل إلى تهدئة الحالة، ولتحقيق تسوية مشرفة ضمن الاحترام الكامل لحقوق المغرب المشروعة”[61]. وبعد أن حاولت الحكومة الفرنسية ممارسة الضغط على جلالة الملك واعتماد منطق المساومة؛ إما التنازل عن العرش أو رفض استقدامه إلى فرنسا، صرح جلالة الملك قائلا: “كان صوتي مسموعا بالمغرب فحسب، حينما كنت جالسا على عرشي بالرباط، أما بعد أن أراق الشعب المغربي دمه في سبيلي، فإن صوتي قد أصبح مدويا في جميع أنحاء العالم. وأنا لا أقبل التنازل عن العرش ولا التحادث في موضوعه”[62].

بعد فشل بعثتي لامارل وروكبير في تحقيق مساعيهما، كررت فرنسا المحاولة تلو الأخرى لإقناع السلطان ببرنامجها المقترح لحل مشكلة العرش، فأوفدت في شهر ماي 1954م المحاميين جورج إيزار (Izard Georges) -محامي جلالة الملك- وفيل إلى مدغشقر، دون أن تعلن رسميا عن المهمة التي سيقومان بها، إلا أن الصحافة الفرنسية أكدت “أن هذه الرحلة ليست لها صلة بالشؤون الخاصة بجلالته، بل إن الحكومة الفرنسية أرسلت المحاميين في مهمة متعلقة بالمفاوضات الجارية لتسوية قضية العرش”[63]. لم تكن نتيجة هذه البعثة مختلفة عن سابقاتها؛ حيث ظل السلطان متشبثا بموقفه الرافض للتنازل عن العرش، محافظا على سيادة المغرب، وملتزما ببيعة الشعب. فلم يبق أمام الحكومة الفرنسية سوى اللجوء إلى أسلوب التهديد والضغط لتحقيق أهدافها؛ وهذا ما تجلى في بعثة الجنرال جورج كاترو (Catroux Georges) وزميله هنري إيريسو التي حلت بمدغشقر في شهر شتنبر 1954م، فقد أشارت صحيفة فرانس سوار إلى تهديد المتفاوضين لجلالة الملك بإراقة دم المغاربة الأبرياء في حالة عدم التوصل إلى اتفاق معه قبل 12 شتنبر[64]. وقد أصر صاحب السمو الأمير مولاي الحسن على حضور تلك المحادثات مع والده والقيام بالترجمة له -علما أنه يتقن اللغة الفرنسية- فقد كان السلطان يُصِرُّ على مخاطبة المتفاوضين الفرنسيين باللغة العربية. وجرت تلك المحادثات الشاقة والعسيرة في فندق تيرم بأنتسيرابي، حيث فرضت القوات الفرنسية طوقا أمنيا شديدا على الفندق من أجل محاصرة السلطان والضغط عليه لقبول برنامج الحكومة الفرنسية، الذي تضمن -من خلال الرسالتين المتبادلتين بين السلطان والجنرال كاترو- النقاط الآتية: “تقرير مبدأ السيادة المغربية، التي تجعل من المغرب دولة حديثة حرة ذات سيادة ترتبط مع فرنسا بروابط دائمة في نطاق التكافل المقبول عن خيار وحرية؛ وأن صفة الدوام التي لا تقبل الانفصام فيما يخص العلاقات بين البلدين، تجعل أيضا من الضروري المحافظة على الحقوق والمصالح العليا التي تتمتع بها فرنسا في الميادين الاستراتيجية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والثقافية؛ كما يضمن للفرنسيين القاطنين بالمغرب ما لهم من مصالح على ما قاموا به وما سيقومون به من مجهودات لصالح المغرب”[65]. وبغية تنزيل هذه “السياسة الشاملة”، ووضعها موضع التنفيذ، سطرت الحكومة الفرنسية الإجراءات الأولية الكفيلة بتحقيق ذلك[66]؛

– تكوين مجلس للعرش بصفة مؤقتة، وذلك بقصد تهدئة الحالة في الوقت الحاضر، تكون له سلطات ومهام التاج.

– تأليف حكومة مغربية للتفاوض والتدبير، تكون ممثلة لمختلف نزعات الرأي العام.

وبالتزامن مع هذه المُحادثات، أوفدت الحكومة الفرنسية العديد من البعثات المغربية الرسمية والحزبية، لإقناع جلالة الملك بقبول الخطة الفرنسية لتسوية مشكلة العرش، وإعادة العلاقات المغربية الفرنسية، منها: وفد حزب الشورى، المكون من الأستاذين عبد القادر بن جلون وعبد الهادي بوطالب، ووفد حزب الاستقلال، والوفد المغربي، المتكون من صاحب السمو الأمير مولاي الحسن بن إدريس صهر جلالته، والسيد أحمد البكاي باشا صفرو، والسيد الفاطمي بن سليمان باشا فاس السابق، فقال جلالة الملك مخاطبا وفدي حزب الاستقلال وحزب الشورى: “إنني سأعمل ما يريده شعبي” فأجابوه قائلين: “إن الشعب يطلب عودتكم”[67].

وقد كان جلالة الملك -عند بداية المفاوضات- رافضا لفكرة مجلس الوصاية، معارضا لها، ويواجه الذين يريدون إقناعه، بأن إقامة مجلس الوصاية يعني فراغ العرش، وهو أمر لا يملك جلالته أن يوافق عليه، وإلا كان معناه القبول الضمني للتنازل عن الملك[68].

ولكن بعد الضمانات التي قدمها المبعوث الفرنسي الجنرال كاتروا، وافق جلالة الملك على البرنامج الفرنسي، حيث جاء في رسالته إلى المبعوث الفرنسي ما يأتي: “وردّاً على الرغبات التي أبدتها حكومة الجمهورية في أن نُؤيِّدَ عملها، فإننا نقبل أن نُسْنِدَ هذه السياسة أمام الرأي العام المغربي، ونمنح موافقتنا لهذه الخطة الكفيلة بأن تحسن العلاقات الفرنسية -المغربية، وبأن ترضي الأماني المشروعة لشعبنا، وبأن تضمن لفرنسا وللفرنسيين القاطنين بالمغرب حقوقهم ومصالحهم”[69]. كما وافق جلالته -بعد وضع شروطه- على الإجراءات الأولية التي اتخذتها الحكومة الفرنسية لتفعيل تلك الخطة، حيث جاء في الرسالة نفسها: “ونحن نوافق على الإجراءات الأولية التي تتكون من إنشاء مجلس مؤقت لحفظة العرش، دون أن يكون في ذلك أي مساس بحقوقنا، مع تكوين حكومة مغربية ممثلة، يطلب منها تسيير شؤون الدولة والقيام بالتفاوض مع فرنسا، لوضع أسس وآفاق جديدة تجعل من المغرب دولة حديثة وحرة ذات سيادة، ترتبط مع فرنسا بروابط دائمة من التكافل المقبول بحرية في الميادين الاستراتيجية والدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية”[70].

4–  الرحلة من أنتسيرابي إلى الديار الفرنسية

بعد التوصل إلى اتفاق مع جلالة الملك محمد بن يوسف بشأن الخطوط العريضة لمفاوضات الاستقلال بين المغرب وفرنسا، قررت الحكومة الفرنسية نقل العائلة الملكية الشريفة من منفى مدغشقر إلى فرنسا من أجل استكمال المباحثات التي توجت بعودة جلالة الملك وعائلته الشريفة إلى الوطن يوم 16 نونبر 1955م. فكيف مرت الرحلة إلى الديار الفرنسية؟

أقلعت الطائرة “دي.سي.6” التابعة لشركة تال (Tal) من مدغشقر على الساعة السابعة والدقيقة الثانية والخمسين -حسب التوقيت المحلي- من صباح يوم الأحد (30 أكتوبر1955م)، وهي تُقِل خمسة وثلاثين شخصا. وعلى الساعة الثالثة بالضبط حسب التوقيت المحلي كذلك، وصلت الطائرة إلى مطار “مايا” بالقرب من برازافيل عاصمة إفريقيا الاستوائية الفرنسية آنذاك، فاستقبل جلالته من طرف حاكمها “سيديل”. استغلت العائلة الملكية فترة التوقف القصيرة هذه، لزيارة الأحياء الأهلية والأوربية، كما زاروا كنيسة سانت آن الكونغو والبيت الذي أقام به الجنرال دوغول أثناء الحرب الأخيرة. ثم أقلعت الطائرة من مطار “مايا” في اتجاه مطار نيس الفرنسي، إلا أنها توقفت بمطار “فورلاني” بإفريقيا الاستوائية الفرنسية على الساعة التاسعة والدقيقة العاشرة من عشية الأحد، للتزود بالوقود، فوجد العاهل في استقباله الحاكم الفرنسي كولومباني. ثم واصلت الطائرة رحلتها إلى الديار الفرنسية على الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة، متوجهة إلى فرنسا، فوصلت إلى مطار نيس على الساعة السابعة والدقيقة الأربعين بتوقيت فرنسا من صباح يوم الاثنين 31 أكتوبر 1955م[71].

في مطار نيس استقبل جلالة الملك محمد الخامس بالهتافات بحياته؛ “يعيش جلالة الملك”، “يحيا ملك المغرب”، “يحيا الاستقلال”، وكانت هذه الهتافات تتعالى من أفواه مختلف الوفود المغربية التي كانت توجد مع الصحفيين في قاعة الأكل بمطعم المطار، وأول من حظي باستقبال جلالته أعضاء الأسرة العلوية. وقد أدلى جلالة الملك – في مطار نيس- بتصريح باللغة العربية لمراسلي وكالة فرانس بريس، قال فيه: “إنني متأثر جدا بالاستقبال الحار الذي قوبلت به عند وصولي إلى فرنسا، وإنني أشعر بلذة كبرى عند وصولي إلى هذه البلاد حيث سأنتظر فيها رجوعي القريب إلى المغرب”[72]. وفي اليوم نفسه، انتقل جلالة الملك والعائلة الملكية عبر طائرتين إلى العاصمة الفرنسية باريس، فوجد في استقباله أعضاء مجلس حفظة العرش الأربعة؛ البكاي بن مبارك والمقري والصبيحي ووعسو، وهنري إيريسو مدير مكتب أنطوان بيني وزير الخارجية. بالإضافة إلى وزير التشريفات الفقيه المعمري، والسيد الفاطمي بن سليمان المرشح لرئاسة الحكومة المغربية. وفي مساء اليوم تحادث الملك مع وزير الخارجية الفرنسي أنطوان بيني، ثم قصد إقامته بقصر هنري الرابع في ضاحية سان جرمان[73].

كما أدلى جلالة الملك -في العاصمة الفرنسية باريس- بتصريح جاء فيه: “ولما كانت مطامح الشعب وآماله هي المطامح والآمال التي امتلأ بها قلبنا، فقد كان سرورنا عظيما في هذا اليوم، إذ رأينا هذا الشعب يُجْمِعُ كلمته على تحقيق حرياته الديمقراطية ومحافظته على كامل سيادته واستقلاله مع رابطة بفرنسا يقبلها بمطلق حريته، كما يقبل الشعب المغربي ضمانة ما لفرنسا من المصالح والمحافظة على صداقتها تلبية لما أعلنته الحكومة الفرنسية في أول أكتوبر الأخير، وإن أول واجب يطالبنا به شعبنا المغربي هو أن نوجه إليه هذا النداء ليعمل على توحيد صفوفه ويدخل في وفاق إلى هذا العهد الجديد الذي يعد تحولا عظيما في تاريخ المغرب”[74].

وقد تمكن الصحفي “ماكس جلاد” -مراسل صحيفة باري فرانس أنترنزيجان- من إجراء حوار صحفي مع جلالة الملك في باريس[75]، تطرق فيه لمستقبل العلاقات المغربية – الفرنسية، التي قال بشأنها العاهل: “لقد وضع الإطار العام للعلاقات الفرنسية المغربية، وتم الاتفاق على المبادئ، أما طرق التطبيق فقد تركنا أمرها بيد الحكومتين المعنيتين بالمسألة ليتم الاتفاق بشأنها وأثناء المفاوضات التي ستبدأ بينهما، ولا يمكن لغير الحكومتين المغربية والفرنسية أن تقرر وتناقش ذلك بمنطق الحرية”. وبخصوص مسألة تشكيل الحكومة المغربية، أوضح جلالة الملك موقفه بشأنها قائلا: “يجب أن تكون لنا حكومة ممثلة للشعب، تتمتع بتأييد المغرب بأجمعه”. وعن علاقته بالجامعة العربية بعد عودته إلى العرش، قال جلالته: “إننا نفترض أن نفس العلاقات المتينة التي تربط بين أمم الإسلام، تجعل هذه الأقطار تبتهج بما سجل من تخفيف في حدة التوتر. إن روابط الدين والعواطف متينة بين جميع الأمم الإسلامية. وإننا شخصيا على يقين من أن الأقطار العربية سيسرها أن ترى المغرب ينال استقلاله”. وعن حالة التوتر في المغرب وسبل إعادة الهدوء، قال جلالته: “أعتقد أن عودتي ستحدث رجة نفسية من طبيعتها أن تستعيد الهدوء، إلا أن الأمر الذي سيضمن لنا هدوءا أتم هو الجو الذي ستدور فيه المفاوضات المقبلة. وإنني لا أعتبر عودتي إلا وسيلة لا غاية، والصراحة والإخلاص في المفاوضات هما وحدهما العاملان اللذان سيؤديان إلى التهدئة الحاسمة للوساوس والتخوفات، وإلى إزالة سوء الظن. إن عقلية الشعب المغربي قد تطورت تطورا جوهريا عميقا خلال السنتين الأخيرتين، وهذا أمر يجب أن يحسب حسابه. وإنني أؤمل أن نصل إلى إيجاد حالة نفسية تسمح للبلدين أن يريا صداقتهما تتفتح”.

وقبيل عودته المنتظرة إلى الوطن العزيز، وجه جلالة الملك محمد الخامس نداء إلى شعبه الوفي المخلص[76]، عبر فيه عما يخالجه من مشاعر الفرح والسرور بدنو موعد اللقاء بعد آلام الغربة والفراق، عَوْدٌ يحمل معه عهدا جديدا؛ “نتعاون على بناء صرحه وفق مطامحك التي ما فتئنا نذود عنها ونسعى في تحقيقها. ففي هذا العهد الجديد […] نأمل أن ترفرف راية التسامح والوفاق عالية، وترفل البلاد في ثوب الحرية والاستقلال، وبذلك يزداد الفرد اطمئنانا على نفسه ومصالحه وحريته كيفما كانت عقيدته وجنسيته”. كما عبر عن ابتهاجه بمظاهر الفرح والاحتفالات التي يقيمها الشعب على شرف استقبال ملكه المحبوب بطل التحرير، مناشدا له بالالتزام بالنظام والتحلي بالرزانة والهدوء حتى تمر هذه الاحتفالات في جو من الفرح والتسامح؛ “وقد سرنا ما أبديتموه من مظاهر الفرح والابتهاج بنبإ عودتنا، فسيتم سرورنا إن أنتم حافظتم يوم عودتنا على النظام، وسلكتم سبيل الرزانة والهدوء، كي لا تشوب مظاهر الأفراح شائبة، وينتهي الأمر على أحسن ما يرام”.

5-  الرحلة من باريس إلى الرباط عاصمة المغرب

بعد اللقاءات العديدة والمباحثات المكثفة مع عدد من الشخصيات السياسية الرسمية الفرنسية، حُدِّدَ يوم 16 نونبر 1955م، لعودة جلالة الملك محمد الخامس إلى أرض الوطن، بعد حوالي 817 يوما قضاها في المنافي المختلفة التي أجبر على التنقل بينها. وقبيل سفره الأخير إلى عاصمة مُلكه الرباط، أدلى جلالته بتصريح لوسائل الإعلام الفرنسية، تلاه نيابة عنه صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، قال فيه: “قبل أن أغادر أرض فرنسا عائدا إلى المغرب، يسرني أن أقول: إن إقامتنا في فرنسا قد مكنت من العمل من أجل المغرب ولصالح شعبنا، لقد قمنا باتصالات مع مختلف الشخصيات الفرنسية، وعرضنا عليها رأينا في موضوع العلاقات بين فرنسا والمغرب، وقد تبين لنا أن الأمل قوي في حل القضية المغربية، إن هذا يؤكد لنا ما نبتغيه من حسن التفاهم بين الأمتين. وأخيرا فإننا نشكر الحكومة والشعب الفرنسيين على حسن مقابلتهما لنا بتلك الصفة الودية التلقائية”[77].

واشتمل برنامج وصول جلالة الملك محمد الخامس إلى العاصمة الرباط[78]، على إجراءات برتوكولية وتنظيمية دقيقة؛ فعلى الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من صباح يوم 16 نونبر، غادر جلالته فندق هنري الرابع الذي كان مقيما فيه، قاصدا مطار فيلا كوبلي، حيث استقل  طائرة كبرى تابعة لشركة (Tal) للنقل الدولي، متوجها إلى مطار سلا الذي حَطَّ به الرحال على الساعة الحادية عشرة والدقيقة السابعة والعشرين. ووجد في استقباله أعضاء مجلس حفظة العرش، والسيد الفاطمي بن سليمان المعين لتكوين الحكومة، والمقيم العام الفرنسي أندريه دي بوا مع كبار موظفي الإدارة الفرنسية، والوفد الحكومي القادم من تطوان، ووفود الأحزاب الوطنية على اختلافها، وباشا الرباط، وعدد كبير من الشخصيات. وحينما نزل من الطائرة، سلم عليه أعضاء مجلس حفظة العرش والسيد بن سليمان والمقيم العام الفرنسي، وعندئذ صدحت الموسيقى بالنشيدين الوطنيين المغربي والفرنسي، واستعرض جلالته كوكبة من الحرس الملكي وبعض فصائل الجيش التي أدت التحية لجلالته. وفي تلك الأثناء انسحب المقيم العام الفرنسي، وبدأ الموكب الملكي سيره مخترقا الطرق التي حددت بمعرفة السيدين البكاي وبن سليمان. وعندما وصل جلالته إلى قوس النصر عند نهاية جسر أبي رقراق، تقدم إليه باشا الرباط بالتمر والحليب على حسب الأصول المَرْعِيّة. وسارت فصيلة من الحرس في مقدمة الموكب، تتوسطها سيارات تحمل أبواقا خاصة لإعطاء التعليمات للجماهير المحتشدة على طول الطريق، ثم تليها السيارة الملكية يركبها جلالته، ويصحبه فيها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن وصنوه الأمير مولاي عبد الله، وبعدهما سيارة تحمل صاحبات السمو الأميرات للا عائشة وللا نزهة وللا مليكة، وتتبع السيارتين بقية الوفود، وفي مقدمتها سيارة حفظة العرش والسيد بن سليمان ووفد المنطقة الخليفية. وحينما وصل الموكب الملكي إلى الباب الكبرى للمشور السعيد، أطلقت المدافع إيذانا بالوصول، ودخل جلالته دخول المنتصر الظافر إلى القصر الذي أخرجه منه المستعمرون منفيا.

ومباشرة بعد ذلك، وجه جلالة الملك خطابا إلى شعبه الوفي، جاء فيه: “حمدا لله أن جمع شملنا وأذهب حزننا ولم يُضيع جهودنا. أيها الشعب الوفي، مهما تمسكتم بالعروة الوثقى ما كان شيء ليضركم كيفما كانت شدته، إذ لا شدة تدوم في هذه الحياة الدنيا. أيها الشعب العزيز، وَعَدْتَ بالإخلاص ووَفَّيْتَ أحسن الوفاء، وكنتَ من الصابرين، فكان لك ما وعد الله به دائما، يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. أيها الشعب العزيز، قد أخلصتَ الوفاء كما أخلصتُ، وأديتَ الواجب أحسن أداء كما أديتُ، وها أنا بينكم كما تعهدوننا، حُبُّ البلاد رائدنا، وخدمتها غايتنا، و﴿الحَمْدُ للهِ الذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾[79]. أيها الناس، أرجوكم أن تنصرفوا في هدوء ونظام، صاحبتكم السلامة”[80].

وبمناسبة الذكرى الثامنة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد الخامس على عرش أسلافه المنعمين، وجه جلالته خطابا إلى الشعب المغربي الوفي: “إنكم على بصيرة من جهودنا المتوالية للنهوض بالبلاد إلى المستوى اللائق بماضينا المجيد وموقعها الهام خصوصا في العصر الجديد؛ فما زعزعتنا العراقيل، ولا صدتنا الحوائل، ولم نتردد في المُجاهرة بالحق والدعوة إلى تغيير النظام القائم، ليتأتى إرضاء المطامح وتلبية الرغائب. ثم عاقتنا عوائق، ولاقينا خُطوبا وأهوالا، ولكن أبى الله إلا أن تفرج الأزمة بعد الامتحان، وترتفع الموانع، وتعود المآذن بذكر الله وحمده تملأ الآفاق، والمساجد بالمؤمنين غاصة، والمنابر بالدعاء لنا ولك صادعة”[81]. ثم تطرق جلالته إلى موضوع المباحثات المكثفة التي أجراها مع المسؤولين الفرنسيين بشأن حل القضية المغربية وتشكيل الحكومة، مُعربا عن آماله وتفاؤله قائلا: “وتلك بشرى يطيب لنا أن نزفها إليك في هذا اليوم الميمون، بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الاستقلال”[82].

خلاصة واستنتاجات:

لقد حاولنا -في هذه الدراسة المتواضعة- الكشف عن بعض الجوانب من حياة بطل التحرير ورائد الحركة الوطنية المغربية السلطان سيدي محمد بن يوسف طيب الله ثراه في المنفى، وإبراز بعض التفاصيل التي ظلت مُغيبة في الدراسات التاريخية التي تناولت سيرة العاهل المغربي وجهاده في سبيل تحقيق الحرية والكرامة للشعب المغربي الوفي، مُعتمدين في ذلك على الجرائد والصحف، باعتبارها مادة مصدرية أساسية وجوهرية لدراسة تاريخ المغرب السياسي وتاريخ الحركة الوطنية المغربية وتطوراتها المختلفة. وكان اعتمادنا بشكل كبير على جريدة “الأمة” الناطقة بلسان حزب الإصلاح الوطني، تلك الجريدة المناضلة التي آلت على نفسها إلا أن تَتَتَبَّعَ أخبار جلالة الملك محمد الخامس في منفاه، وتنقل إلينا -من خلال مقالاتها- صورة حياته وأسرته الملكية الشريفة في المنفى، ومُعاناتهم من الحصار والمراقبة الشديدتين المفروضتين عليهم من قبل السلطات الفرنسية، فضلا عن العزلة التي فرضها الموقع الجغرافي للمنافي في جُزُرٍ وقُرًى مُحَصَّنَةٍ، نائية وبعيدة عن كل مظاهر الحياة العصرية الحديثة. لقد فرضت السلطات الاستعمارية الفرنسية على السلطان، الذي كانت حالته الصحية لا تتحمل السفر الطويل، التنقل لمسافات طويلة تقدر بآلاف الكيلومترات في رحلات شاقة تنعدم فيها وسائل الراحة؛ فالطائرات التي خَصَّصَتْهَا السلطات الفرنسية لنقل السلطان وعائلته في تلك الرحلات، طائرات عسكرية غير مجهزة بوسائل نقل المسافرين المدنيين، وليس بها تكييف … مما زاد في معاناتهم وجعل سفرهم قطعة من العذاب. كما أن الإقامات التي خُصِّصَتْ لنزولهم لم تكن تتوفر حتى على الحد الأدنى من الشروط الضرورية للعيش الكريم. وقد انفردت جريدة الأمة بنشر صور لغرف الفندق الذي كانت العائلة الملكية مقيمة به في قرية أنتسيرابي في جزيرة مدغشقر.

لم تكتف السلطات الفرنسية بهذه الإجراءات التي اتخذتها في حق الملك وأسرته الشريفة، بل أمعنت في الإساءة إليه من خلال نشر الإشاعات والأكاذيب في محاولة لتشويه صورته أمام الرأي العام، إلا أن كل محاولاتها البائسة ذهبت سدى، بفضل أخلاق جلالة الملك وحسن معاملته للناس وتواضعه الكبير معهم، وكرمه وسخائه الذي جعله ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، فكان يحظى باحترام الناس وتقديرهم أينما حل وارتحل.

لم تُنْسِ هذه الظروف والمُعاناة والمِحن التي عاشها جلالة الملك محمد الخامس في منفاه، التفكير في الشعب المغربي وما يكابده من محن وأهوال في مواجهة الاستعمار الفرنسي وسياسته؛ فكان دائما يلتقط أخباره عبر جهاز الراديو أو من خلال الصحف التي كان مسموحا له بتصفحها وقراءتها. فبُعد المسافات والعزلة المفروضة عليه لم تنجح في قطع حبل التواصل المتين بينه وبين شعبه الوفي. لقد عبّر السلطان محمد الخامس من خلال المباحثات التي أجراها مع مبعوثي الحكومة الفرنسية عن ثبات وتشبث كبيرين بثوابت الأمة المغربية، وفي مقدمتها البيعة الشرعية والسيادة وإرادة الأمة. فكان يفرض على المتفاوضين شروطه ووجهات نظره، رغم لجوئهم -في كثير من الأحيان- إلى المساومة وأسلوب التهديد والضغط. مما جعل الجنرال كاترو يُقِرُّ بالدفاع المستميت للسلطان عن مصالح بلاده؛ “إن المهمة التي قمنا بها تنطوي على مفارقة عجيبة؛ إذ إننا طلبنا من الرجل الذي نزعناه عن عرشه ونفيناه من وطنه، أن يقدم لنا يد المعونة لنُزيل الحالة الخطيرة التي ترتبت على عزله ونفيه. ولم يطلب سيدي محمد بن يوسف شيئا لنفسه وإنما اهتم بمستقبل بلاده”[83].


[1]  – نشير هنا إلى كتاب مراسل جريدة باري بريس (Parispresse, L’Intransigeant) ماكس جلاد، الموسوم بـ:

Max Jalade : Mohammed Ben Youssef, tel que je l’ai vu. Antsirabé, Paris, Rabat, Encyclopédie D’outre-mer, Parie, 1956.

وكتاب التحدي، لصاحب الجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه.

[2]  – من تصريح الملك محمد الخامس للمبعوث الخاص لجريدة الأمة الأستاذ عبد الله الخطيب. انظر: جريدة الأمة، عدد 688، السنة الخامسة، الاثنين 6 ربيع الثاني 1375هـ/ 21 نوفمبر1955م، ص.1.

[3]  – من تصريح الملك محمد الخامس للمبعوث الخاص لجريدة الأمة الأستاذ عبد الله الخطيب. انظر: جريدة الأمة، عدد 688، السنة الخامسة، الاثنين 6 ربيع الثاني 1375هـ/ 21 نوفمبر1955م، ص.1.

[4]  – الحسن الثاني (ملك المغرب): التحدي، المطبعة الملكية، الرباط، الطبعة الرابعة، 2000م، ص. 83- 84.

[5]  – الحسن الثاني (ملك المغرب): التحدي، ص. 84.

[6]  – نفسه.

[7]  – نفسه.

– أورد هذا الحوار، الذي دار بين جلالة الملك محمد الخامس والمقيم العام الفرنسي الجنرال گيوم -مع بعض الاختلاف- روم لاندو في كتابه “محمد الخامس منذ اعتلائه عرش المغرب إلى يوم وفاته”، تعريب ليلى أبو زيد، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة 1، 1979م، ص. 95- 96/ محمد العلمي: محمد الخامس وتاريخ استقلال المغرب، منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، دار أبي رقراق، الرباط، الطبعة الثالثة، 2011م، ص. 83.

[8]  – روم لاندو: محمد الخامس، ص. 96/ الحسن الثاني، التحدي، ص. 85/ العلمي، محمد الخامس، ص. 83.

[9]  – الحسن الثاني، التحدي، ص. 85.

-كانت الطائرة التي أقلت الملك ونجليه من الرباط إلى جزيرة كورسيكا من نوع داكوتا (دي. سي. 3 ) معدة أصلا لتدريب المظليين، خالية من كل وسائل الراحة، حتى إنها لا تتوفر على مقاعد للركاب، إلى جانب كونها عتيقة لا تتجاوز سرعتها 200 كلومتر في الساعة.

[10] – Le Figaro, N° 2783, Vendredi 21 Aout 1953.

[11]  – جريدة الأمة، العدد 361، السنة الرابعة، الأربعاء 29 صفر 1374هـ/ 27 أكتوبر 1954م.

[12] – Le Figaro, N° 2783, Vendredi 21 Aout 1953.

– الحسن الثاني، التحدي، ص. 88.

[13] – Charles- André Julien : Le Maroc face aux impérialismes (1425- 1956), Éditions du Jaguar, Paris, 2011, p 309.

[14]  – الحسن الثاني، التحدي، ص. 88.

[15]  – نفسه، ص. 89.

[16]  – جريدة الأمة، عدد 105، السنة الثانية، الاثنين 21 ربيع الثاني 1373هـ/ 28 دجنبر 1953م، ص. 2.

[17]  – جريدة الأمة، عدد 105، السنة الثانية، الاثنين 21 ربيع الثاني 1373هـ/ 28 دجنبر 1953م، ص. 2.

[18]  – نفسه.

[19]  – نفسه.

[20]  – جامع بيضا: سيدي محمد بن يوسف السلطان الوطني 1927- 1961م، ضمن عدد خاص “محمد الخامس وتاريخ المغرب المعاصر”، مجلة المناهل، السنة 28، عدد مزدوج 77- 78، محرم 1427هـ/ فبراير 2006م، ص. 54.

[21]  – المرجع نفسه.

[22]  – جريدة الأمة، عدد 105، السنة الثانية، الاثنين 21 ربيع الثاني 1373هـ/ 28 دجنبر 1953م، ص. 2.

[23]  – جريدة الأمة، عدد 105، السنة الثانية، الاثنين 21 ربيع الثاني 1373هـ/ 28 دجنبر 1953م، ص. 2.

[24] – Noureddine Lahrim: Le Mouvement National de 1953 à 1954, Documents Historique de la Résistance et de la Libération, Centre des documents historiques de la résistance et de la libération, Cahier N° 6, p 186.

[25]  – جريدة الأمة، العدد 130، الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1373هـ/ 26 يناير 1954م.

[26]  – بخصوص الموقف الإسباني من نفي السلطان محمد الخامس، ينظر مقالنا الموسوم بـ “موقف إسبانيا من الاعتداء على العرش يوم 20 غشت 1953م”، مجلة دعوة الحق، السنة 62، العدد 429، ذو الحجة 1440هـ/ غشت 2019م، ص. 25- 43.

[27]  – جريدة الأمة، العدد 130.

[28]  – نفسه.

[29]  – نفسه.

[30]  – جريدة الأمة، العدد 137، الأربعاء 29 جمادى الأولى 1373هـ/ 3 فبراير 1954م.

[31]  – نفسه.

[32]  – جريدة الأمة، العدد 154، الثلاثاء 19 جمادى الثانية 1373هـ/ 23 فبراير 1954م.

[33]  – جريدة الأمة، العدد 130، الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1373هـ/ 26 يناير 1954م.

[34]  – جريدة الأمة، العدد 130، الثلاثاء 21 جمادى الأولى 1373هـ/ 26 يناير 1954م.

[35]  – ورد هذا التصريح في جريدة الأمة، العدد 135، الاثنين 27 جمادى الأولى 1373هـ/ 1 فبراير 1954م.

[36]  – جريدة الأمة، العدد 132، الخميس 23 جمادى الأولى 1373هـ/ 28 يناير 1954م.

[37]  – نفسه.

[38]  – نفسه.

[39]  – جريدة الأمة، العدد 133، الجمعة 24 جمادى الأولى 1373هـ/ 29 يناير 1954م؛ العدد 135، الاثنين 27 جمادى الأولى 1373هـ/ 1 فبراير 1954م.

[40]  – جريدة الأمة، العدد 134، السبت 25 جمادى الأولى 1373هـ/ 30 يناير 1954م.

[41]  – جريدة الأمة، العدد 170، السبت 7 رجب 1373هـ/ 12 مارس 1954م.

[42]  – جريدة الأمة، العدد 154، الثلاثاء 19 جمادى الثانية 1373هـ/ 23 فبراير 1954م.

[43]  – الحسن الثاني، التحدي، ص. 90.

[44]  – محمد العلمي: محمد الخامس وتاريخ استقلال المغرب، ص. 87.

[45]  – نفسه.

[46]  – نفسه، ص. 88.

[47]  – جريدة الأمة، عدد 629، السنة الخامسة، السبت 22 محرم 1375هـ/ 10 شتنبر 1955م.

[48]  – نفسه.

[49]  – الحسن الثاني، التحدي، ص. 89.

[50]  – جريدة الأمة، عدد 629.

[51]  – جريدة الأمة، عدد 629.

[52]  – محمد العلمي: محمد الخامس، ص. 88.

[53]  – جريدة الأمة: 526، السنة الخامسة، الثلاثاء 17 رمضان 1374هـ/ 10 ماي 1955م.

[54]  – جريدة الأمة، العدد 177، الاثنين 16 رجب 1373هـ/ 22 مارس 1954م.

[55]  – جريدة الأمة، العدد 206، السبت 20 شعبان 1373هـ/ 24 أبريل 1954م.

[56]  – جريدة الأمة، العدد 208، الثلاثاء 23 شعبان 1373هـ/ 27 أبريل 1954.

[57]  – نفسه.

[58]  – جريدة الأمة، العدد 354، الثلاثاء 21 صفر 1374هـ/ 19 أكتوبر 1954.

[59]  – جريدة الأمة، العدد 355، الأربعاء 22 صفر 1374هـ/ 20 أكتوبر 1954م.

[60]  – جريدة الأمة، العدد 355، الأربعاء 22 صفر 1374هـ/ 20 أكتوبر 1954م.

[61]  – جريدة الأمة، العدد 361، الأربعاء 29 صفر 1374هـ/ 27 أكتوبر 1954م.

[62]  – جريدة الأمة، العدد 429، الثلاثاء 23 جمادى الأولى 1374هـ/ 18 يناير 1955م.

[63]  – جريدة الأمة، العدد 533، الأربعاء 25 رمضان 1374هـ/ 18 مايو 1955م.

[64]  – جريدة الأمة، العدد 627، الخميس 20 محرم 1375هـ/ 8 سبتمبر 1955م.

[65]  – من الرسالة الجوابية لجلالة الملك محمد بن يوسف على رسالة الجنرال كاترو، يوم 9 شتنبر 1954م. انظر: جريدة الأمة، عدد 677، السنة الخامسة، الأحد 21 ربيع الأول 1375هـ/ 7 نونبر 1955م.

[66]  – من رسالة الجنرال كاترو إلى جلالة الملك محمد بن يوسف، مؤرخة في 8 شتنبر 1954م. انظر: جريدة الأمة، عدد 677.

[67]  – جريدة الأمة، عدد 634، السنة الخامسة، الجمعة 28 محرم 1375هـ/ 16 شتنبر 1955م.

[68]  – جريدة الأمة، عدد 629، السنة الخامسة، السبت 22 محرم 1375هـ/ 10 شتنبر 1955م.

[69]  – جريدة الأمة، عدد 677، السنة الخامسة، الأحد 21 ربيع الأول 1375هـ/ 7 نونبر 1955م.

[70]  – نفسه.

[71]  – جريدة الأمة، عدد 672، السنة الخامسة، الثلاثاء 15 ربيع الأول 1375هـ/ 1 نونبر 1955م.

[72]  – نفسه.

[73]  – جريدة الأمة، عدد 673، السنة الخامسة، الأربعاء 16 ربيع الأول 1375هـ/ 2 نونبر 1955م.

[74]  – جريدة الأمة، عدد 673، السنة الخامسة، الأربعاء 16 ربيع الأول 1375هـ/ 2 نونبر 1955م.

[75]  – الحوار نشرته -مترجما- جريدة الأمة، عدد 681، السنة الخامسة، الجمعة 25 ربيع الأول 1375هـ/ 11 نوفمبر 1955م.

[76]  – جريدة الأمة، عدد 684، السنة الخامسة، الثلاثاء 29 ربيع الأول 1375هـ/ 15 نوفمبر 1955م.

[77]  – جريدة الأمة، عدد 685، السنة الخامسة، الأربعاء 1 ربيع الثاني 1375هـ/ 16 نوفمبر 1955م.

[78]  – جريدة الأمة، عدد 686، السنة الخامسة، الخميس 2 ربيع الثاني 1375هـ/ 17 نونبر 1955م.

[79]  – سورة فاطر: الآية 34.

[80]  – جريدة الأمة، عدد 686، السنة الخامسة، الخميس 2 ربيع الثاني 1375هـ/ 17 نونبر 1955م.

[81]  – جريدة الأمة، عدد 688، السنة الخامسة، الاثنين 6 ربيع الثاني 1375هـ/ 21 نونبر 1955م.

[82]  – نفسه.

[83]  – جريدة الأمة، عدد 630، السنة الخامسة، الأحد 24 محرم 1375هـ/ 12 شتنبر 1955م.