المولد النبوي وأهميته في الدراسات الأدبية



المولد النبوي وأهميته في الدراسات الأدبية

ذ. عبد المجيد معلومي

كلما هلّ شهر ربيع الأول أتت معه نسمات عطرة لذكرى عزيزة، وحلقت بالمسلمين حيث منبع تلك النسمات.
ولد صلى الله عليه وسلم في جوف صحراء قاحلة، فتحولت به إلى روضة من رياض الجنة، ينعم فيها من اتبعه بنور الإسلام؛ واهتز العالم بمولد سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، فكان حدثا عظيما غير مجرى التاريخ، فأشرقت شمس العدل والرحمة على هذا الكون، فأقبرت العقائد الفاسدة.
كان العالم يموج بالفتن والأحقاد المدمرة، ويتخبط في ظلمات الجاهلية، سفكت فيه الدماء، واستبد القوي بالضعيف، وقتل الأبرياء، فسجد الناس لغير خالقهم، عبدوا الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، وأفنوا أعمارهم رغبة في رضاها.
وفي هذا الجو المشحون بالفساد والأحقاد والظلم شاء الله عز وجل أن يمحو الظلم بالعدل، والحقد بالحب والألفة، والفساد بالصلاح، فبعث سبحانه وتعالى من يصلح ما عبثت به أيدي البشر وعقولهم، فكان اختياره سبحانه له صلى الله عليه وسلم من جوف الصحراء، من بيئة الأصنام، اصطفاه وأدبه أدبا يليق بمكانته، فكان على خلق عظيم.
قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).1
ففي كل عام من شهر “ربيع الأول” تطل علينا “ذكرى المولد النبوي الشريف”، ومعالم حياة فاضلة، وتاريخ أصيل عريق.
فمن حق صاحب الذكرى أن نذكر فضله الذي نشره، وخلقه الكريم الذي وجب علينا أن نتأسى به، ونذكر الرحمة التي كان هو الباعث لها، والعدل الذي جاهد من أجله.
كل هذا يوجب علينا الاحتفال به، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نسمة زكية ردت إلى الحياة رشدها، فساد الطهر والعفاف في وجدانها.
فكيف لا نحتفل به وهو أعظم خلق الله كلهم، أنقذ البشرية وحررها من الجهل والظلم، وهداها إلى الصراط المستقيم.
ولكن كيف نحتفل بهذه الذكرى؟ وكيف نوفيه حقه غير منقوص؟
*  يجب أن يكون المولد احتفالا بالإسلام يحمل معانيه، وأوامره ونواهيه، والخضوع لكل ما تمليه علينا قواعده الشرعية، فلا نقف أمام يوم مولد رسولنا الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، بل نجعل من كل يوم جديد مولد حياة كريمة، نحول فيها الضعف إلى قوة، ونرسي في أنفسنا قواعد عقيدتنا، ومبادئ الإسلام العظيم.
يجب أن تقام الندوات العلمية التي من خلالها يتدارس المسلمون أمور دينهم، ويحاولون حل مشاكلهم، ليشعر كل مسلم بكيانه ودوره في بناء صرح الإسلام والمحافظة عليه شامخا قويا.
فلنجعل من هذه المناسبة العظيمة وقفة نحاسب فيها أنفسنا، ونستوحي السيرة العطرة لنتخذ منها عبرة نهتدي ونقتدي بها.

 سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وفضائله على الإنسانية:

ولد صلى الله عليه وسلم في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، بعد “حادثة الفيل” بخمسين يوما، حيث استقبل الكون محيا طفل وسيم، ولم يكن في وجه مستقبليه والده عبد الله، فقد رحل إلى ربه والحبيب المصطفى في بطن أمه، فأقبل على الدنيا يتيما، ولم تلبث أمه أن لحقت أباه، فنشأ صلى الله عليه وسلم فاقد الأب ثاكل الأم؛ ولكن العناية الإلهية ادخرته أزلا ليكون خاتم الأنبياء والمرسلين، وهاديا للعالمين، ورافعا لواء التوحيد والأخلاق الفاضلة بين الناس أجمعين.
فنشأ في صباه وشبابه على أعلى مستوى من المعايير الخلقية؛ من صفاء النفس، وطهارة الضمير، وعلو الهمة، وكمال السلوك، فما حدثت منه كبوة، ولا حدثته نفسه العظيمة بصبوة، حتى شرفه الله بالنبوة والرسالة للعالمين.
وكان صاحب الذكرى العطرة رفيع الحسب، عظيم النسب، طاهر الأصول، إذ تبرأ نسبه الشريف من سفاح الجاهلية.
أما تسميته صلى الله عليه وسلم بمحمد، كانت من اختيار جده عبد المطلب بن هاشم، واسم “محمد” مشتق من “الحمد” على وزن “مفعل”.
وصدق حدس عبد المطلب عندما سمى حفيده محمدا، فجاء عليه الصلاة والسلام محمودا في الأرض والسماء، ووافق اسمه ما سطره القلم في الأزل، ونطق به القرآن الكريم على لسان عيسى ابن مريم عليه السلام: (ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد).2
أما نسبه عليه الصلاة والسلام فهو نسب طاهر وخالص، أجمع على ذلك العلماء والفقهاء:
عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي، لم يصبني من سفاح أهل الجاهلية شيء”3.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ولدني من سفاح الجاهلية شيء، ما ولدني إلا نكاح الإسلام”4.
وقال السبكي في سيرته: “الأنكحة التي في نسبه صلى الله عليه وسلم إلى آدم، كلها مستجمعة شروط الصحة كأنكحة الإسلام، ولم يقع في نسبه صلى الله عليه وسلم منه إلى آدم إلا نكاح صحيح مستجمع لشرائط الصحة، كنكاح الإسلام الموجود اليوم”.5
فرسولنا صلى الله عليه وسلم هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن النضر بن كنانة ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد ابن عدنان.
قال ابن عباس: خير العرب مضر، وخير مضر عبد مناف، وخير عبد مناف هاشم، وخير بني هاشم بنو عبد المطلب.
ويشهد لهذا الحديث قوله صلى الله  عليه وسلم: “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى هاشما من قريش، واصطفاني من بني هاشم”.
ومدلول هذه النصوص أن الذين يدرسون خصائص زعماء التاريخ يجدون سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم في الذروة بكل معايير الشرف والكمال الإنساني، ذلك لأنه عليه السلام ولد من نكاح ولم يولد من سفاح، في سلسلة طويلة من تقلب الأجداد والآباء.
وأن السوية في بشريته صلى الله عليه وسلم ممتدة في كل أرومته؛ فلم تحمل عاملة من عوامل الوراثة إلا نقاء في طهر وأصالة، ولم يغادر جوار بيت الله العتيق منذ كان جده الأكبر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
ويلاحظ الدارسون في هذا النسب سمو الخصائص النفسية والملكات الروحانية فقد عرف عن سلسلة آباء محمد بن عبد الله أنهم:
– في جوار بيت الله العتيق كما أسلفنا الذكر.
– أنهم حافظوا على ملة إبراهيم وإسماعيل.
– وأنهم كانوا أهل رياسة وشرف ولواء.
– وأنهم أهل المكرمات والنجدة والسخاء.
– وأنهم أهل العدل والإنصاف.
– وكان فيهم الخلفاء الذين استقاموا على الفطرة، فلم يميلوا إلى عبادة وثن أو صنم… بل تركوا أنفسهم يوحدون الله على ملة باقية من أثر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
وقد صاحب مولد النبي صلى الله عليه وسلم خوارق تدل على نباهة شأنه، وعلى فضله، من ذلك ما حدث به بعض من شاهد ولادته:
قالت فاطمة بنت عبد الله، وهي أم عثمان بن أبي العاص الثقفي:
“شهدت ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعته أمه آمنة، وكان ذلك ليلا، قالت: فما من شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو حتى أقول: يقعن علي”6.
“لما كانت ليلة ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقط منه أربعة عشر شرافة، وغاضت بحيرة ساوة، وفاض وادي السماوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام”7.
ولما توفيت أمه آمنة بنت وهب وهو ابن أربع سنوات، تولاه مولاه، وأدبه بآداب العبودية، وهذبه بمكارم الأخلاق حتى صار كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “كان خلقه القرآن” فليس لأحد من البشر فضل عليه في تربيته.
أما مرضعته فهي حليمة من بني سعد، نقية النسب والحسب كما قال عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم: سعد وحلم خصلتان فيهما خير الدهر وعز الأبد.
قال الإمام السبكي: “تروي حليمة السعدية قصة لقائها بعبد المطلب فتقول: استقبلني عبد المطلب فقال: من أنت؟
فقلت: أنا امرأة من بني سعد.
قال: ما اسمك؟
قلت: حليمة.
فتبسم عبد المطلب وقال: بخ بخ، سعد وحلم خصلتان فيهما خير الدهر وعز الأبد”8.
أما ابن هشام فيقول: “فلما وضعته أمه صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى جده عبد المطلب أنه قد ولد لك غلام، فأخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله وشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها، والتمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم الرضعاء، فاسترضع امرأة من سعد بن بكر يقال لها حليمة ابنة أبي ذؤيب.
وأبو ذؤيب: عبد الله بن الحارث بن سجنة (سين مهملة مكسورة وجيم ساكنة ونون مفتوحة) ابن جابر ابن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوزان بن منصور بن عكرمة بن حفصة بن قيس ابن عيلان”9.
إن عبد المطلب قد استدعى هذه المرضعة على بيته طالبا إياها لاختبار مدى صلاحيتها لإرضاع حفيده، كما جاء في السيرة.
أليس عبد المطلب سيد العرب، ورأس قريش وصاحب أخلد موقف مع أبرها عام الفيل؟
وقد ترعرع عليه الصلاة والسلام محفوفا بعطف رقيق، ثم كبر يافعا في كنف عم شهم معروف بالسيادة والكرم، وقد حماه الله من أن يشترك مع القوم في شيء من عاداتهم التي لا تتفق مع رسالته، لذا لقبوه بالأمين، فصدقوا أنفسهم بما علموا من أمره منذ صغره، لأن الله تكفل به حيث قال: (ألم يجدك يتيما فآوى)10.
قال القرطبي: “حفظه الله تعالى منذ صغره، وتولى تأديبه بنفسه، ولم يكله في شيء من ذلك لغيره، ولم يزل الله تعالى يفعل ذلك به حتى كره إليه أحوال الجاهلية وحماه منها، فلم يجر عليه شيء منها.”11 فكل ذلك لطف به، وعطف عليه.
رعى صلى الله عليه وسلم الغنم لأمه حليمة وهو ابن أربعة أعوام، فلما كان شابا رعاها لقريش على قراريط، ثم تاجر لسيدة قريش أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فكانت له بعد ذلك خير معين حتى جاءه الحق، فأقسمت له: “إنك لنبي هذه الأمة”، وصدقها ورقة بن نوفل، وطلع محمد على الدنيا كلها بالرسالة التي كانت رحمة للعالمين.
 خصائص سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
خص الله نبيه صلى الله عليه وسلم بخصائص وفيرة جعلته أفضل الخلق على الإطلاق، وأرفع الناس درجة، وأكرمهم منزلة؛ وهناك من الدلائل ما يشهد على ذلك:
1- أقسم الله بحياته صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون(12. والقسم بحياته يدل على شرف حياته وعزته عند الله العزيز الحكيم.
2- أوتي عليه الصلاة والسلام، “الكتاب” وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب، وحفظ الله الكتاب المنزل عليه من التبديل والتحريف، فقال تعالى: (لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)13، وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)14 فلم يستطع أي أحد تغيير حرف منه.
3- انقطع الكهنة عند مبعثه، كما انقطع استراق السمع، وفي هذا قضاء على الدجل والشعوذة.
4- أخبر الله جل شأنه أنه وملائكته يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر المؤمنين بالصلاة والتسليم عليه، وليس هناك شرف ورفعة فوق هذا، فالعناية الأزلية أفاضت عليه الرحمة، والملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم يلهجون بالاستغفار له.
5- أثنى الله على خُلقه صلى الله عليه وسلم فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم)15، وهذا غاية الثناء.
6- انقضت معجزة كل نبي، ومعجزة سيد الأولين والآخرين باقية إلى يوم الدين.
7- اختصه الله بخمس لم يعطهن أحد من خلقه، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث كان، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأعطيت الشفاعة”16.
8- شريعته صلى الله عليه وسلم أكمل من جميع شرائع الأمم المتقدمة وأتمها إحاطة بمصالح الدنيا والدين.
9- أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى الإنس والجن، فقد صرف إلى مجموعة من الجن يستمعون القرآن، يقول تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين(17.
ولهذا أخبره الله أنه أرسله رحمة للعالمين: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)18، وتم تكريم النبوة والأنبياء جميعا في شخص آخرهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء.
أهمية المولد في الدراسات الأدبية:
في ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم تتداول الأخبار، وتلقى الخطب والأشعار، وتتسابق الأقلام على تناول مزايا الرسول الكريم العديدة، وخصاله الشريفة التي تدور كلها حول عناية الله تعالى به، وتمام رعايته له، واختصاصه بما لم يختص به نبي قبله.
ونظم الشعراء قصائد عديدة في مدحه صلى الله عليه وسلم منها:
1- قصيدة يوسف النبهاني في مدح سيد الأنام محمد عليه الصلاة والسلام، يقول فيها:
(اسمع صفات حملها بالنور
نور النبي المصطفى البشير
زين البرايا شرف العصور
هادي الورى لدينه المبرور
قد أظهر الله له بفضله
عجائبا لأمه في حمله
تدلها على عظيم نبله
وأنه لله خير رسله)19.
2- نص محمد بن جعفر الكتاني أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على المسلم المكلف، لقوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)20، وبذلك نظم قصيدة في هذا الشأن:
صلى الله على محمد
وعلى آله وسلم
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا
جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة
مرحبا يا خير داع
صلى الله على محمد
وعلى آله وسلم
طابت الجنة وفاحت
وبسر الخلد فاحت
وفيها الأنوار لاحت
بالحبيب مولاي محمد21.
ولا زالت هذه القصيدة إلى اليوم موضوع غناء في الأفراح والأعراس.
3- الشيخ عبد الرحمن بن علي الزبيدي نظم قصيدة في مدح الرسول الأعظم، والتي توضح قيمة هذا الحدث وهو مبعث الرسول الكريم، فيقول:
ما بال العيون تدري الدموع السواكب
من فرط الشجون كالنار بين الجوانب
لواعج ما تهون من طول الحبائب
ما أدري ما يكون ضاقت علي المذاهب
وقال في آخر هذه القصيدة:
والهادي البشير خير البريات جدي
البدر المنير به ثم فخري ومجدي)22.
4- الشاعر محمد العلمي نظم قصيدة تحت عنوان: “الاستعداد لمدح سيد الأنام” على نهج قصيدة كعب ابن زهير “بانت سعاد”.
وتقع قصيدته في خمسة وثلاثين ومائة بيت، نذكر منها بعض الأبيات:
قلبي بحب رسول الله مشغول
والروح مني لتاج الحسن تقبيل
ذاك الجلال هدى روحي وهذبها
فهزها في جمال الطهر تبتيل
5- البوصيري شاعر النيل يصف ليلة المولد فيقول:
ليلة المولد الذي كان للدين
سرور بيومه وازدهاء
وتوالت بشرى الهواتف أن قد
ولد المصطفى وحق الهناء
وقال في آخر وصف هذه الليلة:
مولد كان منه في طالع الكفر
وبال عليهم ووباء
فهنيئا به لآمنة الفضل
الذي شرفت به حواء)23.
واتسعت دائرة الأدب، وأقبل أرباب الأقلام شعراء وكتابا على كتابة قصائد ذات طابع ديني أهمها: “المولوديات”: وهي قصائد في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، نذكر منها:
* “الدر المنظم في المولد النبوي المعظم” للعزفي: كتاب مخطوط يوجد بقسم المخطوطات تحت رقم: 8748 / الرباط.
* مولد نبوي” من تأليف أبي عمران موسى بن أبي علي الزناتي الزموري.
*  “تصليات نبوية” لمالك بن المرحل، وهي قصيدة واردة بتمامها عن المقري في كتابه “نفح الطيب”:4 / 450 – 453.
* “القطع المخمسة في مدح النعال المقدسة” لمحمد ابن الفرج السبتي المتوفى سنة 757 هـ الموافق 1162 م، وهي مجموعة قطع من الطويل، خماسية الأبيات على حروف المعجم، ذكرها المقري في كتابه: “أزهار الرياض”: 3 / 228 – 237.
إن “المولوديات” أو “العيديات”، ظلت فنا شائعا ومرتعا خصبا لمعظم الشعراء، ومن أهم القصائد التي حظيت بالاهتمام الكبير من بعض العلماء وخاصة المغاربة منهم قصيدة “البردة” للبوصيري، وذلك بشرحها وتذييلها، وتقع البردة في اثنين وثمانين ومائة بيت، فهي من القصائد الطوال، ومطلعها:
آمن تذكر جيران بذري سلم
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم
أم هبت الريح من تلقاء كاظمة
وأومض البرق في الظلمات من إضم
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا
وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم
ما بين منسجم منه ومضطرم(24.
* “ربيع القلوب في مولد النبي المحبوب” للتهامي الوزاني الحسني الرباطي.
* “هداية المحبين إلى ذكر سيد المرسلين” لمحمد بن التهامي كنون المتوفى سنة 1331 هـ.
فهذه المولوديات غنية من حيث المعارف الدينية والمعلومات التاريخية والفوائد الأدبية والبلاغية، واهتم العلماء بتناول قصائد المديح المشهورة بالشرح والتحليل على الطلبة في حلقات الدرس بمناسبة المولد.
بالإضافة إلى هذه المولوديات هناك دواوين خاصة بالمديح النبوي نذكر منها:
1-  “ديوان في المديح النبوي” لعبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي المتوفى سنة 1096 هـ، وهو مخطوط بخزانة المكتبة الملكية رقم: 3071.
2 – “ديوان السراج الوهاج في مدح صاحب التاج والمعراج” لعبد الكريم بن زاكور الذي كان واليا على تطوان في عهد سيدي محمد بن عبد الله.
وهذا الديوان مخطوط بخزانة المكتبة الملكية رقم: 2356.
إن موضوع المديح شغل الشعراء منذ اتخذ الملحون كيانه في أوائل القرن التاسع الهجري حتى اليوم، ومن أشهر قصائد هؤلاء، قصيدة “مولد النور” للغالي الدمناتي استعرض فيها بعض المعجزات التي ظهرت مباشرة إثر ولادته عليه الصلاة والسلام، كاهتزاز إيوان كسرى، وخمود نار فارس التي كانت موقدة.
قال “المختار السوسي” في كتابه “المعسول”: “إن الشعراء كانوا يربطون بين مديح الرسول صلى الله عليه وسلم وبين الواقع، إذ يستلهمون من حياته صلى الله عليه وسلم ما يبعث في نفوسهم القوة والثقة لمواجهة القضايا، وتوجيه الأحداث، والتغلب على المشاكل والأزمات”25.
وهناك مصادر أخرى متنوعة في المولد النبوي نذكر منها:
* “النظم البديع في مولد الشفيع” ليوسف النبهاني.
* “الدرر السنية في فضل الاحتفال بمولد خير البرية” لرشيد الراشد.
*”المدائح النبوي في الأدب العربي” للدكتور زكي مبارك.
* “الهمزية” للبوصيري.
* “نفح الطيب” لأحمد المقري التلمساني.
* “النفحة المسكية” لأبي الحسن التمكروتي.
* “روضة الآس العاطرة الأنفاس” لأحمد المقري التلمساني.
* “حسن المقصد في عمل المولد” لجلال الدين السيوطي.
* “نفح الأزهار في مولد المختار” للأستاذ علي الجندي.
* “التنوير في مولد البشير النذير” لأبي الخطاب بن دحية.
* “مورد الصادي في مولد الهادي” لحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي.
* “الطالع السعيد” لكمال الأدفوي.
* “المدخل على عمل المولد” لأبي عبد الله بن الحاج.
* “التبر المسبوك في ذيل السلوك” للعلامة السخوي.
وهناك منظومات عديدة في السيرة النبوية، تعتمد على سرد الأخبار، وعرض الأحداث بأسلوب شعري، وممن نظموا سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
1- محمد بن القاسم التميمي الفاسي، وسمى منظومته “اللمعة في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأولاده السبعة”.
2- أبو الخطاب بن دحية، واسم منظومته: “الآيات البينات في ذكر ما في أعضاء رسول الله من المعجزات”.
وله منظومة أخرى تسمى: “سلسلة الذهب في نسب سيد العرب والمعجم”.
3- الفتح بن موسى الجزيري الذي نظم سيرة ابن هشام في 8100 بيت سماها “الوصول على الرسول”.
4- محمد بن إبراهيم بن الشهيد الذي نظم سيرة ابن سيد الناس في منظومة سماها: “الفتح القريب في سيرة الحبيب”.

الهوامش


1) سورة الجمعة – الآية: 2.
2) سورة الصف – الآية: 6.
3) البداية والنهاية: لابن “كثير: 2 / 255.
4) أخرجه الطبراني في “الكبير”، والبيهقي في “السنن الكبرى”، وأورده السيوطي في “جمع الجوامع”.
5) السيرة الحلبية: للإمام السبكي: 1 / 47.
6) الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر: 8 / 67.
7) الإصابة في تمييز الصحابة: لابن حجر: 6 / 524.
8) السيرة الحلبية: للسبكي: 1 / 94 وما بعدها.
9) سيرة ابن هشام: 1 / 168 / تحقيق: مصطفى السقا – إبراهيم الأبياري – عبد الحفيظ شبلي.
10) سورة الضحى – الآية: 6.
11) الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي ج: 20 / ص: 26.
12) سورة الحجر – الآية: 72.
13) سورة فصلت – الآية: 42.
14) سورة الحجر – الآية: 9.
15) سورة القلم – الآية: 4.
16) صحيح البخاري: كتاب التيمم – الجزء الأول / ص: 70.
17) سورة الأحقاف – الآية: 29.
18) سورة الأنبياء – الآية: 107.
19) النظم البديع في مولد الشفيع: ليوسف النبهاني / ص: 16 – المطبعة الأدبية – بيروت.
20) سورة الأحزاب / الآية: 55.
21) المولد النبوي الشريف: لمحمد بن جعفر الكتاني / ص: 6 و7 – طبعة دار الكتاب – البيضاء.
22) المولد الشريف: لعبد الرحمن بن علي الزبيدي / ص: 34 إلى 36.
23) متن الهمزية في مدح خير البرية: للبوصيري / ص: 4.
24) الدرة اليتيمية المعروفة بقصيدة البردة للبوصيري / ص: 3.
25) المعسول: للمختار السوسي: 7 / 185.