إمارة المؤمنين عمارة الدنيا وإقامة الدين



إمارة المؤمنين عمارة الدنيا وإقامة الدين

  ذ. محمد مشان  

 رئيس المجلس العلمي الجهوي لجهة الدار البيضاء سطات

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيد ولد عدنان سيدنا محمد

اللهم صل صلاة كاملة، وسلم سلاماً تاماً على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال به الرغائب وحسن الخواتيم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك.

أما بعد،

عيد العرش المجيد ذكرى جليلةٌ خالدةٌ تُعَدُّ من أغلى الذكريات، ومن أجَلِّ المناسباتِ الوطنيةِ المجيدةِ، إنها ذكرى اعتلاءِ مولانا أميرِ المؤمنين جلالةِ الملكِ محمدٍ السادسِ عرشَ أسلافه المنعمين.

وبمشاعر الفخر والاعتزاز يحتفل المغاربة بهذا العيد الذي يحل في الثلاثين من شهر يوليوز من كل عام، إنها فرصة الشعب المغربي قاطبة لتجديد البيعة، وتجديد العهد والميثاق الغليظ الذي يربطه بالعرش العلوي المجيد.

وهي فرصة لشكر الله على نعمة إمارة المؤمنين التي جعلها الله سببا لجمع شمل الأمة المغربية ولم شعثها، وتوحيد صفها، وتحقيق ازدهارها ورقيها وأمنها وأمانها.

أفلا يحق للمغاربة أن يحتفلوا ويبتهجوا بهذه المناسبة الغالية والذكرى الطيبة الحبيبة، التي تذكرهم بنعم الله عليهم وبفضل الله عليهم؟ لذا فهم يخلدونها بمنتهى الاعتزاز والفخار، وكامل المسرة والابتهاج ويرون فيها عيدا وطنيا هو تاج الأعياد الوطنية.

لقد أكرم الله بلدنا الحبيب وأنعم عليه بنعم لا تحصى، ومن أكبر هذه النعم نعمة إمارة المؤمنين.

وإمارة المؤمنين ثابت من ثوابت هذه الأمة المغربية، فهي إضافة إلى العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف السني، أهم ركائز وثوابت هذه المملكة الشريفة، وهي أساس كل ما ينعم به هذا البلد الأمين من أمن ورخاء وسيادة وطنية، ووحدة كاملة، وحرية وكرامة، وهي أصل ما يسعد به المغاربة من عزة وفخار، ومنطلق لكل ما يصبون إليه، ويأملونه من تقدم ورخاء وازدهار، ونهوض واطمئنان واستقرار.

ومن ثم كانت لعيد العرش المجيد مكانتُه الرفيعةُ بين الأعياد الوطنية المغربية، وكانت له خصوصيتُه، ومنزلتُهُ المتميزةُ بين الذكريات الخالدة حيث دأب العرش المغربي وشعبه الوفي على الاحتفاء به على مدى عقود.

ومنذ تأسيس المملكة الشريفة على أرض المغرب الأقصى في عهد الدولة الإدريسية، اجتمع شمل المغاربة، وأصبحوا كالبنيان المرصوص وكالجسد الواحد، فكانت سببا في ما حصل لهم من اليمن، وما حل بأرضهم من البركات والخيرات.

إن بلادنا، والحمد لله، أسست على تقوى من الله ورضوان، والعلاقة التي تربط الشعب بملك البلاد هي علاقة شرعية مؤسسة على البيعة الشرعية: وهي إعطاء العهد من المبايِع على السمع والطاعة للإمام في غير معصية، في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وعدم منازعته الأمر، وتفويض الأمور إليه، وقد قال الإمام ابن خلدون في مقدمته: «اعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة، كأن المبايِع يعاهد أميرَه على أن يُسَلِّمَ له النظرَ في أمور نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع»[1].

ومن أولويات المصالح التي تسعى الشريعة الإسلامية إلى تحقيقها في المجتمع، الدعوة إلى اجتماع الكلمة، ووحدة الصف، والالتفاف حول الأئمة، وولاة الأمور، والبيعة لهم، وطاعتهم بالمعروف؛ لأن في التعاونِ والوحدةِ قوةً وفتحاً، وفي الاجتماع سعادةً وعزّاً، وفي الطاعة استقرارا وأمنا.

ولا يخفى أنَّ إمامة المسلمين أمانةٌ عظمى ومسؤوليَّةٌ كبرى، لا قيام للدِّين إلاَّ بها، ولا تنتظم مصالح الأمَّة إلاَّ بسلطانٍ مطاعٍ، ونصب الإمام فرض واجب على المسلمين، وهذا باتفاق الأئمة والأمة، لا ينازع في ذلك إلا مبطل أو صاحب هوى، فكل أمة تحتاج إلى قائد تلتف حوله، وتجاهد تحت رايته، يحمي حوزتها، ويدافع عن حقوقها ومكتسباتها، ويقيم فيها شعائر دينها، ويحفظ ضرورياتها، ويقمع عنها أهل الشر والفساد والطغيان.. حتى لا تتفرق كلمَتُهَا، وتذهبَ ريحُهَا، وينقلبَ عِزُّهَا ذُلاً، ويطمَعَ فيها الأعداء، وتَكْثُرَ فيها الفتنُ والأهواءُ.

فقد شرَّعَ اللهُ الإمامةَ، وأوجبَ السمعَ والطاعةَ في غير معصية، إذ من المعلوم من الدين بالضرورة أنه لا دين إلاّ بجماعة، ولا جماعة إلاّ بإمامة، ولا إمامة إلاّ بالسمع والطاعة، وأن الخروج عن الطاعة من أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد، والضلال عن طريق الهدى والرشاد.

ومولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأعز الله أمره، هو حامي حمى الملة والدين، وباني مجد المغرب الحديث، فقد جمع الله له بين خيري الدنيا والآخرة، إنه الاستثناء المغربي، بألقه وجماله وتميزه بما يأتي ذكره:

  • نسب شريف:

فمولانا أمير المؤمنين يتنسب للجناب النبوي الشريف، والدوحة العلوية الوارفة جذورها وأصولها تجري في عروقها الدماء الشريفة، فهم من آل بيت مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم وتعظيمهم وتوقيرهم من محبة رسول الله وتعظيمه وتوقيره، وحبيب الحبيب حبيب.

  • تجربة مغربية فريدة وإصلاحات في مجال تدبير الشأن الديني:

ما حققه مولانا أمير المؤمنين في مجال نشر الدين وترشيد التدين لا تستوعبه هذه الوريقات، بل يحتاج إلى مجلدات لسرد تفاصيله والوقوف على نتائجه المبهرة، وما حققه للمغاربة من أمن روحي وطمأنينة نفسية وسكينة.

وقد ظل بلدنا المغرب محافظا على دينه وأصالته، متشبثا بمقومات شخصيته وهويته. وجعل جلالةُ الملك حفظه الله في مقدمة اهتماماته وعنايته أن يظل بلده المغرب على نهج الأسلاف، فالنظام الملكي في المغرب مؤسس على البيعة الشرعية، والولاء والطاعة لمن ولاه الله مقاليد الحكم؛ وجعله ظلَّ الله في أرضه، وأساسَ وحدةِ الشعب المغربي المنضوي تحت لواء ملكه وعرشه العلوي المجيد.

وكما قال أبو حامد محمد الغزالي قدس الله سره: “المُلك والدين توأمان، فالدين أصل، والسلطان حارس، وما لا أصل له فمهدوم، وما لا حارس له فضائع”[2].

فبمولانا أمير المؤمنين انتظمت مصالحنا، واجتمعت كلمتنا، وأمنت سبلنا، وبفضل حكمته، وحصافة رأيه، وتوجيهاته السديدة جعل من بلدنا نموذجا يحتذى ومثالا يقتفى؛ تتشوف الدول لبلوغ ودرك مكانته، وتتطلع إلى الاقتباس من أنوار تجربته الفريدة المبنية على الوسطية والاعتدال، وقيم التسامح، والانفتاح على الآخر. كل ذلك من أجل تحقيق أمنهم الروحي والمذهبي، وتحصين معتقداتهم، دحضا للشبهات والأباطيل ووقوفا في وجه التطرف والغلو والانغلاق، في إطار المذهب السني المالكي، وفي ظل الإمامة العظمى، القائمة على البيعة المتبادلة، والميثاق الراسخ بين الراعي والرعية.

  • ازدهار اقتصادي ورقي حضاري وأوراش ومشاريع ومنشآت:

لم يقتصر همّ مولانا أمير المؤمنين على جانب الدين وإصلاحه، بل أحيا لنا الدين والدنيا، وبفضل حكمته وتبصره ورؤيته الثاقبة ارتقى ببلدنا إلى مصاف الدول المتطورة، والحديث عن منجزات ملكـنا المفدى في هذا المجال يحتاج إلى موسوعات ومجلدات؛ لأن بلدنا عرف -ولله الحمد والمنة-  تنمية شاملة، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية مشروع ملكي متميز أعطى لبلدنا دفعة وارتقى بها، وهي فكرة عبقرية تحتاج إلى إنجاز دراسات وأطروحات علمية عن  فكرتها وموضوعها ومنهجيتها وعن طريقة تصريفها ونتائجها على مستوى الفرد والمجتمع وعلى مستوى الاقتصاد وغيره، وما حققته من رقي وازدهار.

المملكة المغربية أصالة وعراقة وحضارة راسخة الجذور وانفتاح على علوم العصر، ولا يمكن أن أغفل النبوغ المغربي في عالم الصناعة والتكنولوجيا المعاصرة، والازدهار الاقتصادي والأوراش المفتوحة، والإنجازات في شتى الميادين، في صناعة السيارات وصناعة أجزاء الطائرات، والطاقات البديلة.

فكم من منشآت معمارية شيدت وكم من موانئ ومصانع ومطارات بنيت، وتم ربط المملكة الشريفة بالطرق السريعة، بشبكة طرقية قلصت الوقت وحسنت ظروف تنقل الناس والبضائع والسلع، بالإضافة إلى شبكة الترامواي، والقطار الفائق السرعة…وغيرها مما جذب ويجذب الاستثمارات العالمية، ويقوي اقتصاد بلدنا.

والمغرب، ولله الحمد والمنة، يتمتع بمصداقية وسمعة طيبة في المجتمع الدولي، وحضور وازن في المحافل الدولية.

وقد تم تحقيق إصلاحات دستورية شاملة ونوعية في مجال حقوق المرأة، وحقوق الإنسان عامة.

وبناء المركبات والملاعب الرياضية، وملاعب القرب، والمسارح والمؤسسات الثقافية.

وبفضل جهود مولانا أمير المؤمنين أضحى المغرب وجهة سياحية من الطراز الأول، وتألق أبطاله الرياضيون في جميع المجالات الرياضية.

أما أم القضايا وهي قضيتنا الوطنية ووحدتنا الترابية، فقد حقق بلدنا والحمد لله النتائج المرضية والمكاسب تلو المكاسب، والعالم اليوم يؤكد ويشيد بجدية الحل المغربي ومصداقية الرؤية المغربية الثاقبة.

ونحن نحمد الله على ما تم إنجازه وما تم تحقيقه، وعلى ما ننعم به اليوم من خيرات وبركات، ولنا الثقة الكاملة والإيمان الصادق في الرؤية الثاقبة لمولانا أمير المؤمنين للمستقبل، وثقتنا بالله كبيرة أن يسدد الله الخطى، وينجح المقاصد والغايات، ويكلل أعمال مولانا أمير المؤمنين بالتوفيق والنجاح.

فنسأل المولى جل في علاه أن يعين مولانا أمير المؤمنين على ما ناطه به، ووكله إليه من تدبير أمور هذا البلد الأمين، والذب عن حياض الدين، وأن يديم عليه نعمه ظاهرة وباطنة، وأن يبقيه مفخرة لشعبه، سني المفاخر شريف المناقب، سائرا على نهج أسلافه المنعمين في بناء ذرى المجد، وإرساء دعائم حضارة أمتنا، وإعلاء راية وطننا خفاقة.

اللهم احرس مولانا أمير المؤمنين بعينك التي لا تنام، وحطه بركنك الذي لا يضام، وكن له وليا ونصيرا ومعينا وظهيرا.

كما نسأله جل في علاه أن يقر عينه بولي العهد وطالع السعد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وأن ينبته النبات الحسن، ويشد عضده بصنوه السعيد صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي رشيد، وبكافة أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

كما نسأله الله عز وجل أن يرحم الملكين المجاهدين مولانا محمداً الخامس والملك الباني مولانا الحسن الثاني وأن يطيب ثراهما وأن يجعلهما في مقعد صدق عند مليك مقتدر. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وختاما أقول عن إمارة المؤمنين: اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال وصلها على التوال.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


[1]  المقدمة، لابن خلدون، ص. 174.

[2]  إحياء علوم الدين، لأبي حامد الغزالي، ج.1، ص. 12.