من خطاب المغفور له بكرم الله جلالة الملك سيدي محمد بن يوسف الذي ألقاه بفاس بتاريخ: 21 جمادى الأولى عام 1360هـ/ 16 يونيه1941م بمناسبة دخول القرويين في عهد التجديد والإصلاح




أول ما وفقنا الله سبحانه إليه بعد صعودنا على عرش أسلافنا المقدسين اهتمامنا بإحياء وسائل تمكين ديننا الزكي الطاهر، ولما علمنا أن العلم هو الوسيلة العظمى، لإدراك ذلك المقصد الأسمى، تعلمون ما بذلناه من الجهود وما مهدناه من العقبات في سبيل نشر العلم وتسهيل طرقه، علمنا ما لجامع القرويين من سالف المجد في حفظ مهجة العلم الإسلامي وما تخرج منه من الفحول الذين كانوا تيجان فخر بمفرق الدهر في طي عهود التاريخ المغربي، فما علمنا وسيلة ترد شبابه وعمارة دروسه وازدهار العلم به إلا اتخذناها، كانت رواتب العلماء ضئيلة فزدنا فيها ما تعلمون، كانت الدروس مبعثرة يقرأ كل ما يشاء وكيف يشاء فجمعناها منظمة بنظام لم نزل منذ أعوام نسمع أحسن الثناء عليه من كل الجهات وغاية الامتنان بوجوده، كانت المدارس مشرفة على الخراب فأصلحت وأنيرت، كان خريج القرويين لا مستقبل له فقيدنا جل الوظائف على المتخرجين منه بنجاح في الامتحان، هذا كله وعنايتنا به مستمرة جلية في كل حين.

نأمر المجلس الأعلى للعلوم الإسلامية بأعتابنا الشريفة كلما تدعو الضرورة لذلك، إما لزيادة الإصلاح أو لسد خلل يظهر، أو ردع فتق يتعين أن يجبر، منتظرين من كل واحد أن يبذل النفس والنفيس في النصيحة لله ولرسوله ودينه وأمته – وقد يسر الله سبحانه تذليل كل صعوبة فرجونا أن نكون قد بلغنا المرام، وتيسرت أسباب التقدم إلى الأمام، بكلية القرويين التي نريد أن تكون جامعة للكلمة، ومهذبة للأمة، حاملة راية الإصلاح، داعية إلى أسباب الفلاح، راجين من علمائنا أن يمتثلوا تعاليم كتاب الله، ويستنيروا بسنة رسول الله، لا هم لهم إلا نشر معالم الدين، واقتفاء سنن المهتدين- في سبيل الإصلاح متآزرين، وعلى ما يضمن سعادة البلاد متعاونين، علقنا كل آمالنا بالقرويين راجين أن لا يروج فيه إلا ما يعلي كلمة الله، ولا يسعى فيه إلا لما يرضي الله، فإذا بالشقاق ضارب أطنابه، والتخالف ماد أسبابه، فاحذروا أن يسجل عليكم التاريخ أنكم كنتم عائق الإصلاح، والحائل دون تيسير أسباب الفلاح، ولقد جمعناكم بأعتابنا الشريفة ليبين كل دعوته، ويشرح حجته، فما كان صالحا اتبعناه، وما كان هلاكا اجتنبناه، ولا نزال بحول الله دائبين على الجد وراء مصلحة العباد، حتى نقضي على أسباب الفساد. (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد).

عاهدنا الله على أن لا نجد مصلحة إلا اتبعناها، ولا نعلم وسيلة إلا اتخذناها. ونزيدكم برهانا على اعتنائنا بالعلم وذويه بتنفيذ عشرين ألف فرنك من مالنا الخاص لاشتراء الكتب اللازمة للتعليم، نجح الله للمرشدين الأعمال، وبلغ للمصلحين الآمال. ووفقنا لما فيه رضاه، آمين.